قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

فضائح على الورق وليس خلف القضبان
*محمد علي جواد تقي
في ظل الحر اللاهب ويأس الناس من زوال مشكلة الكهرباء، من الصعب على المواطن التفاعل مع الضجيج الحاصل تحت قبة البرلمان لاستجواب هذا المسؤول وإدانة ذاك الوزير على قصور في اعمالهم، فمن المؤكد ان غاية النائب او النائبة وهي ترهق اعصابها وتبذل جهودها لتوثيق تهمة الفساد ضد المسؤولين المقصرين، هو تأدية الواجب أمام الذين أتوا بالنواب تحت هذه القبة، لكن هل يجدي التراشق بالكلام والوثائق السرية، ذلك المواطن الذي عجزت المليارات عن توفير الهواء البارد له في ايام شهر رمضان المبارك؟
ان نوابنا الكرام تحت قبة البرلمان لا يجهلون قطعاً ان القانون لا يطبق إلا بعامل القوة والردع، وهي قاعدة باتت معروفة للجميع لكن العجيب حقاً ان لايكون لها أثر على الواقع، ربما يمضي الزمان وتفقد هذه القاعدة مصداقيتها، بل حتى احاديث آبائنا بدأت تتلاشى مع غيابهم عن مسرح الحياة وهم يتحدثون بغير قليل من الفخر والاعتزاز بالحقبة التي كان فيها البيع بسعر أعلى من التسعيرة الحكومية تعرض صاحبها لحلق الرأس – درجة صفر- وعرضه على شاشة التلفاز، وهذا ليس فقط في العراق بل كانت الشدّة والصرامة سائدة في عدد من البلاد الاسلامية الاخرى التي كانت تسعى ولو ظاهرياً لتطبيق العدالة وتحكيم القانون. لقد سبق وان افتضح أمر اكثر من وزير ومسؤول في اعمال فساد مالي واداري فاحش، لكن ما هي النتيجة من هذه الفضائح؟ واين اصبح أولئك الفاسدون؟ هل هم خلف القضبان؟ أم أداروا ظهورهم للعراق عائدين ادراجهم الى حيث كانوا في السابق؟!
نحن نبارك كل الجهود ونشدّ على أيدي النواب الكرام وهم يتابعون ويبذلون الجهود لإدانة الفاسدين وفضح خيانتهم، وهذه هي المرحلة الاولى من العمل الحقيقي الذي يعزز ثقة الشعب بالمسؤولين، تبقى المرحلة الثانية الأهم، وهي تقديم هؤلاء المفسدين الى العدالة واسترجاع الاموال المسروقة والتي باتت اليوم بمليارات الدولارات. وهذا ليس مطلباً بسيطاً يمكن التغاضي عنه، فهو مطلب بديهي ومعروف لكن تترتب على استحقاقات خطيرة، فوضع الشعب العراقي لم يعد يحتمل اكثر مما تم نهبه من اموال والتلاعب بمصائر الناس، لأن مجرد ذكر الارقام التي تم نهبها من قوت الشعب العراقي في صفقات وهمية او اختلاسات او غيرها، كافية لأن تمزق أواصر الثقة بين الشعب والمسؤولين، ويزداد الامر سوءاً اذا تدخلت امريكا في الميدان وظهر العجز العراقي الكبير، وربما تكون صدفة أن تعلن هيئة النزاهة نجاحها في استرجاع مائة مليون دولار من جملة الاموال التي هربها رموز النظام البائد خارج العراق، وذلك بمساعدة السفارة الامريكية في بغداد. وكل من قرأ الخبر حتى وان كان تلميذاً في الابتدائية يكتشف انه بدون الامريكيين لما تمكنت النزاهة او غيرها من استعادة دولار واحد مما هربه أزلام النظام البائد وهي بالمليارات، وقد عادت الى الشعب العراقي على شكل سيارات مفخخة وعصابات اجرامية دموية اضافة الى جهد اعلامي مكثف الهدف منه دفع الشعب العراقي للندم على قبوله الاطاحة بنظام صدام!
ولطالما تحدث مسؤولو اليوم عندما كانوا في المعارضة أمس عن نهب ثروات العراق وتبديد امكاناته وقدراته من قبل نظام حزب البعث البائد، وكان الحديث دائماً عن وجود الضمانات للسراق والمفسدين بعدم تعرضهم للمساءلة القانونية - إن وجدت طبعاً- وفي عراق اليوم ما أحوجنا الى سيادة القانون في جميع نواحي الحياة! فلا ارفع قدما او اضعها في مكان ما، إلا وألمس التعطش الى القانون والتزام النظام وفائدته، فلا تفرغوه من محتواه وتدفعوا الناس لأن يبحثوا عنه في مكان آخر!