التصحيح.. وإدارة الزمان والمكان
|
ليس هناك أفضل وأحسن من شهر رمضان المبارك لكي نجعل منه فرصة مناسبة للتغيير وتصحيح المسارات على كل صعيد سواء أكان اجتماعياً أو أخلاقياً أو سياسياً . فقد جعل الله عز وجل كل شيء مباركاً ومضاعفاً سواء في الأجر والثواب أو حتى في التوفيق والتسديد ولذلك فإن كل شيء في شهر رمضان المبارك يتحول إلى رحمة ولكن الأمر بحاجة إلى إرادة وجدية لكي تبدأ عملية التصحيح لما هو خاطئ أو العمل بما هو مناسب ومفيد لأنفسنا ومجتمعنا، وأتصور أنها فرصة مناسبة لكي نستثمر هذه الفترة في مراجعة أنفسنا وحساباتنا لنرى أين أصبنا وأين أخطانا وما هي أسس النجاح وما هي عوامل الفشل.
إننا بحاجة إلى أن نتحرر من عقدة "الأنا" والمصالح الضيقة والخروج من دائرة الفرد إلى المجموع والتفكير الذي يشمل الجميع ويهتم بالبعيد كما القريب وهي قضية تربوية يعالجها شهر رمضان المبارك حينما يتساوى الناس في صيامه والاعتراف به حتى ولو توقيتاً وتاريخاً فيتوقف ما هو محرم وما هو خارج عن حدود اللياقة والأدب والأخلاق فهل يمكن أن نتخلق بروحية النظرة الواحدة إلى بعضنا البعض فنخرج من دائرة العصبيات الجاهلية ودوائر التفضيل والتأهيل التي تجعل الناس ينقسمون إلى "فوق" و"تحت" بينما نرى أن سقف الناس وهي السماء واحدة والأرض التي يدفنون تحتها هي أيضا واحدة.
كما أننا بحاجة إلى نتعلم من شهر رمضان المبارك الكرم والضيافة الإلهية التي يقول عنها رسول الله في توصيفه لهذا الشهر الكريم: "هو شهر دعيتم في إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله" فهل نستطيع أن نجعل مائدتنا واحدة فتتوزع الخيرات والثروات على الجميع فلا يشعر أحد أنه مغبون أو محروم فتكون مائدة الوطن بما فيها من خيرات وأموال ووظائف للجميع بلا استثناء فلا يتميز أحد على غيره إلا بما عنده من علم ومعرفة وكفاءة واجتهاد وإخلاص في دائرة من التنافس الايجابي والخلاق الذي يحفز الناس على أن يعطوا غاية جهدهم ويبذلوا أقصى طاقاتهم للوصول إلى الأفضل وتكون الكرامة عنواناً يتمحور حوله الجميع فلا يرى أحد كرامته فوق الآخرين ولا يشعر آخر بأن كرامته مهدورة وغير مصانة بل يتسابق الجميع من أجل صون كرامة المجتمع ويكون المقياس في النظر للكرامة من زاوية الرؤية القرآنية التي يقول عنها ربنا عز وجل: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" .
إن أي نهضة لا يمكن أن تنطلق ما لم نتمكن من إدارة الزمان والمكان وربما يكون الزمن أهم لأن من يعرف كيف يسيطر على زمانه فإنه لن يكون من الصعب عليه أن يسيطر على المكان ونحن في شهر رمضان المبارك بحاجة إلى أن ندرك أهمية الزمن في حياتنا وأهمية هذه المحطة الزمنية التربوية في تقويم سلوكنا وأخلاقياتنا وفي صياغة وعينا وثقافتنا من أجل أن نسابق الزمن في عصر التحولات والتحديات الكبرى. ووما يبين كيفية تضييعنا للوقت والفرص ، ومما أثار ألمي عندما شاهدت برنامجاً تلفزيونياً والناس تتحدث فيه عن مشكلة الخدمات وبينها الكهرباء، وأبدى المتحدثون "ألمهم" و"أملهم" بالنسبة لهذه المعضلة المستديمة في بلادنا، فقلت في نفسي متى سوف نفكر في أن العمر يمضي والزمن يمر وهذا المواطن ينتظر وينتظر إلى ما شاء الله وهو يفكر في الكهرباء وفي سكنه وبيته والغلاء والبطالة وفي سداد دينه، ودفع ايجاره، وغيرها من المشاكل، فإذا به يمضي ويذوي عمر هذا المواطن الصابر .. ألسنا بحاجة لكي نتعلم من شهر رمضان المبارك قيمة الزمان الذي يكون مباركاً إذا ما استثمرناه وعملنا فيه بما هو مفيد ونافع، فإلى متى سوف نبقى دولة ومسؤلين وحكاما وشعبا، افرادا وجماعات، ندور حول أنفسنا ونراوح مكاننا ونحن لا نكترث بعامل الزمن، واستثمار واستغلال الفرص التي يتيحها الله تعالى لنا مرة بعد اخرى، ولنعرف أن هدر الوقت وتفويت الفرص الواحدة بعد الاخرى،لايعقبه الا الندامة، وكما يقول الحديث الوارد عن أهل الببيت(ع) فأن تفويت الفرصة(غصة).
|
|