تحت الضوء
هل استبعدنا الديكتاتورية من (العرس الديمقراطي)؟
|
*محمد علي جواد تقي
إنها مفردة جديدة من جملة ما دشنته الثقافة العراقية في مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام، ربما الدافع وراء تركيبها وانتاجها ثم تسويقها، هو اللحن الجميل الذي يثير البهجة والسرور في النفوس، فكما يتوجه الناس نحو حفلة عرس لشاب وشابة على سنّة الله و رسوله - علماً إننا ندخل شهر ربيع الأول، شهر الأفراح وحسم مواعيد الزفاف المتأخرة- فانهم وفي ظل أجواء العملية السياسية، مدعوون لحفلة عرس من نوع آخر، يطلق عليه العرس الانتخابي أو الديمقراطي، طبعاً هذا (العرس) لايدخل فيه المدعوون ليخرجوا منه بشيء من الحلوى وحسب، وإنما يبقون طيلة أربع سنوات يشهدون خلالها تحقيق طموحاتهم وحلّ مشاكلهم واستيفاء استحقاقاتهم التي طالما حملتها الدعايات الانتخابية التي ملأت عيونهم وصكّت آذانهم.
في هذا (العرس) يفترض أن يتم استبعاد الديكتاتورية نظرية وتطبيقاً، كما تم استبعاد أصدقاء الديكتاتورية من قوائم الترشيح للانتخابات، لأن المدعوين هم أبناء الشعب بكل شرائحه وطبقاته، وهم قادمون ليقرروا مصيرهم بانفسهم ويشاركوا في صنع القرار باصبعهم المصبوغ باللون الأزرق، لذا من غير اللائق أن يسبقهم من يحاول أن يقرر مصير الناس بالنيابة عنهم، فمن الواضح إن الجميع – ومنهم كاتب السطور- يطالب بمعالجة المشاكل والأزمات في الواقع الاجتماعي والسياسي وأيضاً الاقتصادي، لكن الواضح أيضاً ان الفقراء منتشرون طوال العام وفي كل مكان، والأرامل لا يبرحن شبابيك الدوائر الحكومية، أما المشاكل البلدية والتعليمية والاقتصادية و... فهي قائمة وموجودة على صعيد الواقع وأمام مرأى ومسمع المسؤولين الحكوميين.
ففي وقت اجتاحت الجداريات الضخمة مدينتي الصغيرة معلنة في وقت مبكر عن (العرس الديمقراطي)، لاحظت من خلال سيارة الأجرة ذات الأحد عشر راكباً، ثلاثة صبيان ركب أثنان منهم، وبقي الثالث، وهو في سنّ لا يتجاوز – باعتقادي- السابعة من العمر، رفض مواكبة صاحبيه وسط صراخ ومزاح! ثم تحركت السيارة في وقت كانت الشمس تنحو الى المغيب، وبقي الصبي على الرصيف الطويل والخالي تقريباً من المارة، فسألت صاحبه الصبي الآخر وكان الى جانبي: لماذا لم يأت صاحبك؟ قال بكل بساطة: (إنه يخشى على جيبه من البذل الكثير، الأفضل له أن يشق طريقه سيراً على الاقدام الى بيته)!!
إن أسرة هذا الصبي الذي يبيع أكياس النايلون في أسواق الخضار والفاكهة، وأمثاله كثيرون، لاشك أنهم مدعوون الى (العرس الديمقراطي) بتأكيد جميع المرشحين بلا استثناء، لكن هل تمكن كيان سياسي طامح يحمل المرشحين الحاليين، من أن يعفي هذا الصبي وأمثاله من العمل لتوفير المال لأبيه أو لأمه؟ أو هل تفضّل للستر على أرملة لئلا تُجبر على العمل صوناً لكرامتها ولسد حاجة أطفالها؟
يبدو إن الحقيقة أمامنا اليوم هي إن أمثال ذلك الصبي الحريص على قوت يومه، والأرامل ومن يعانون من المتاعب الصحية و... هم آخر المدعوين الى هذا العرس الذي بدت علائمه الزاهية والمزركشة،
(وكلٌ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا).
|
|