ابن معتوق الموسوي..
شاعر الولاء
|
حيدر ناصر
حفل التاريخ الاسلامي برصيد ثر دفيق بالمعطيات الضخام والانجازات الكبيرة ولعل أهم هذه الانجازات قد تتحقق على الميدان الأدبي فنجد أن الشعراء كان لهم دور كبير في رفد الساحة الاسلامية والدفاع عن مبادئ الاسلام الحقة ولا سيما شعراء الشيعة من أتباع مذهب أهل البيت (ع) الذين ناضلوا بالكلمة وجاهدوا بقول الحق فمنهم من اختلط مداده بدمائه في سبيل إعلاء كلمة الحق ومنهم من تشرد واغترب وجاع وبات على الطوى ولم يساوم أو يهادن على حساب دينه ومذهبه، ومن يتصفح تاريخ الأدب الشيعي يجد أن المصادر والمجلدات الضخمة ممتلئة بأسماء الشعراء الشيعة الذين نذروا أنفسهم للدفاع عن مذهب أهل البيت (ع)، ومن هذه الأسماء التي تخلدت في ضمير الزمن وسطعت في سماء الأدب العربي: السيد شهاب الدين الموسوي الحويزي المعروف بـ(ابن معتوق) الشاعر الذي أغنى المكتبة العربية بتراث ضخم تمثل في ديوانه الضخم.
هو السيد شهاب الدين بن أحمد بن ناصر بن حوزي بن لاوي بن حيدر بن المحسن بن محمد مهدي بن فلاح بن مهدي بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن الرضا بن إبراهيم بن هبة الله بن الطيب بن أحمد بن محمد بن القاسم بن محمد أبي الفخار بن أبي علي نعمة الله بن عبد الله بن أبي عبد الله جعفر بن موسى بن محمد بن موسى بن أبي جعفر عبدالله ابن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، ولد في البصرة عام 1025هـ - 1616م وقد ساق نسبه الشريف هذا السيد ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار) ج3 وقال في ترجمته: (كان المترجم له من عباقرة شعراء أهل البيت (ع) فخم اللفظ، جزل المعنى) ثم قال: (كان سيداً جليلاً، حسن الأخلاق، كريم الأعراق، فصيحاً أديباً شاعراً) ثم ذكر نبذة من شعره كما ذكره البستاني في دائرة المعارف الاسلامية ج10 ص589 وقال: (كان من أعيان القرن الحادي عشر وكان له شعر رقيق وشعر منسجم).
وقد جمع ديوان شاعرنا ولده السيد معتوق والذي اشتهر باسمه والصواب ديوان أبي معتوق لأنه ليس في أجداده من اسمه معتوق، نعم له ابن أسمه السيد معتوق فكأنه كان يسمى في الأصل ديوان أبي معتوق ثم قيل ابن معتوق لأنه أخف على اللسان كما صرح بذلك السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ج3 ص175 نقلاً عن ملحق السلافة وكتاب الأنوار كما اشار المحقق الشيخ آغا بزرك الطهراني في (الذريعة الى تصانيف الشيعة) ج9 ق1 ص29 الى هذا الشيء في ذكره لديوان شاعرنا – أبي معتوق – فقال (جمع الديوان ولد الناظم معتوق بن شهاب الدين بعد موت والده ورتبه على ثلاثة فصول: المدائح والمراثي والمتفرقات.. الخ) ثم قال: (وطبع مرة على الحجر بمصر عام 1271 وأخرى على الحروف بمطبعة شرف عام 1302 وأخرى بالاسكندرية عام 1290 واخرى ببيروت عام 1885) وأول قصائد الديوان في مديح النبي (ص) مطلعها:
هذا العقيق وتلك ثم رعانه فأفرج لجين الدمع من عقيانه
وقد نظمها شاعرنا أثناء زيارته الى مكة المكرمة والمدينة المنورة كما صرح بذلك في القصيدة:
أمّلت فيك وزرت قبرك مادحاً لأفوز عند الله في رضوانه
عبدٌ أتاك يقوده حسن الرجا حاشا نداك يعود في حرمانه
فاقبل إنابته إليك فإنه بك يستقيل الله في عصيانه
فاشفع له ولآله يوم الجزا ولوالديه وصالحي إخوانه
صلى الإله عليك يا مولى الورى ما حنّ مغتربٌ الى أوطانه
وكان كثير الاعتناء بقصائده وتهذيبها وتنقيحها الى أن تصبح محكمة البناء قوية السبك واضحة المعاني كما استغرقت مدائح الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الكرام الطاهرين (ع) الجزء الأكبر من ديوانه وكان أبرز ما يميزها هو طول النفس والمقدمات الطويلة بإجادة ومن هذه القصائد في مدح الرسول (ص) قصيدة تجاوزت المئة بيت عارض بها قصيدة (البوصيري) المشهورة بالبُردة جاء فيها:
يا جيرة البان لا بنتم ولا برحت تبكي عليكم سروراً أعين الديمِ
ولا إنجلى عنكمُ ليل الشباب ولا أفلتمُ يا بدور الحي من أضمِ
ما أحرم النوم أجفاني وحرّمه إلا تغيّبكم يا حاضري الحرمِ
غبتم فغيّبتم صبحي فلست أرى إلا بقايا المت في هوى لممي
صبراً على كل مرٍّ في محبتكم يا أملح الناس ما أحلى بكم ألمي
رفقاً بصب غدت فيكم شمائله مشمولة منذ أخذ العهد بالقدمِ
حليف وجد إذا هاجت بلابله ناجى الحَمام فداوى الغم بالنغمِ
يشكو الظما فإذا ما مرَّ ذكركمُ أنساه ذكر ورود البان والعلمِ
ولشاعرنا عدة قصائد في مدح أمير المؤمنين (ع) منها جيميته الشهيرة والتي تبلغ أربعين بيتاً وفيها يمدح أيضاً السيد علي خان المشعشعي ويذكر كتابه (خير المقال في الإمامة) والذي أبان فيه عن حديث الغدير وأثبت صحته ونفى ما أحاط به الحاقدون من شكوك يبدأ شاعرنا قصيدته كعادته بمقدمة طويلة مطلعها:
خلط الغرام الشجو في أمشاجه فبكى فخلت بكاه من أوداجه
الى أن يقول:
نور مبين قد أنار دجى الهدى ظلم الضلالة في ضياء سراجه
وغدير خم بعد ما لعبت به ريح الشكوك وآض من لجلاجه
أمطرته بسحابة سميتها خير المقال وضاق في أمواجه
وأبنت في نكت البيان عن الهدى فأريتنا المطموس من منهاجه
وكذاك منتخب من التفسير لم تنسج يدا أحد على منساجه
وقد استغرقت مدائح الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين ومراثيهم جل شعره وقد تفنن في هذا الغرض وأبدع أيّما إبداع فمن قصيدة له في مدح أمير المؤمنين (ع) تقرأ طولاً وعرضاً وطرداً وعسماً على أنحاء شتى يقول فيها:
فخر الورى حيدري عم نائله فخر الهدى ذو المعالي الباهرات علي
نجم السهى فلكيات مراتبه مأوى السنانير إذ يسمو على زحلِ
ليث الشرى قبس تهمى أنامله غيث الندى مورد أشهى من العسلِ
بدر البها أفقٌ تبدو كواكبه شمس الدنى صبح ليل الحادث الجللِ
طود النهى عند بيت المال صاحبه سمط الثنا زينة الأجيال والدولِ
ولشاعرنا ابن معتوق قصائد تمتلئ بالمشاعر الصادقة في رثاء الإمام الحسين (ع) يقول في إحداها:
سنبكيه ما عشنا وإن قلّ دمعنا أزدناه منا بالقلوب الذوائبِ
فلا سلمتْ نفس من الوجد لم تذب عليه ولا قلبٌ غدا غير واجبِ
ويكاد ديوانه كله يكون في مدائح ومراثي أهل البيت (ع) ونشر فضائلهم وأبراز سيرتهم العطرة حتى بلغ من حبه لهم (ع) أن اقتصر شعره عليهم وحتى إتهمه بعض الحاقدين بالغلو فيهم وحاشاه من ذلك ففي ترجمته في الوسيط ص315 قال الاسكندري: (شاعر العراق في عصره وسابق حلبته في رقة شعره ولد سنة 1025 ونشأ بالبصرة وبها تعلم وتأدب وقال الشعر وأجاده وكان في نشأته فقيراً) ثم قال في نهاية الترجمة: (وابن معتوق من كبار الشيعة لنشوئه في دولة شيعية غالية فأفرط في التشيع في شعره وجاء في مدح علي والشهيدين بما يخرج عن حد الشرع والعقل ويمتاز شعره بالرقة وكثرة الاستعارات والتشبيهات حتى لتكاد الحقيقة تهمل فيه جملة) وقد تصدى الأميني في الغدير للرد على الاسكندري فقال في ج11 ص306-307 شعراء القرن الحادي عشر ما نصه: (لم يكن شاعرنا أبو معتوق العلوي نسباً ومذهباً العلوي نزعةً وأدباً ببدع من بقية موالي أهل بيت الوحي صلوات الله عليهم وشعرائهم المقتصدين البعيدين عن كل افراط وغلو المقتصين أثر الشرع والعقل في ولاء آل الله وإلا فهذا ديوان أبي معتوق بمطلع الأكمّة من القارئ لكن الاسكندري راقه القذف فقال: وليست هذه بأول قارورة كسرت في الإسلام ونحن عرفناك الفئة الغالية وإنها غير الشيعة والله هو الحكم العدل).
لقد أجاد شيخنا الأميني وأبدع في رده على الاسكندري قوله ونفي تهمة الغلو عن شاعرنا ولا ندري على أية رواية استند الاسكندري عندما أطلق تهمته فلو أن شاعراً جاء بأضعاف ما جاء به ابن معتوق في مدح من يعتقد بهم الاسكندري والذين هم أدنى وأقل شأناً من مقام أهل البيت (ع) لما أطلق الاسكندري عليه هذه التهمة ولكنه استكثر مدح أهل بيت الرحمة وموضع الرسالة ونجوم السماء لأهل الأرض وسفن النجاة فأي غلو في هذه الأبيات:
وقد جلّ عن سائل التشبيه رتبته إذ فوقه ليس إلا الله في العظمُ
ذرية مثل ماء المزن قد طهروا وطيبوا فصفت أوصاف ذاتهمُ
أئمة أخذ الله العهود لهم على جميع الورى من قبل خلقهمُ
كفاهم ما بـ(عمّ) و(الضحى) شرفاً و(النور) و(النجم) من آي أتت بهمُ
سل (الحواميم) هل في غيرهم نزلت و(هل أتى) هل أتى إلا بمدحهمُ
أكارم كرمت أخلاقهم فبدت مثل النجوم بماء في صفاتهمُ
أطائب يجد المشتاق تربتهم ريحاً تدل بما في طيب ذاتهمُ
شكراً لآلاء ربي حيث ألهمني ولاءهم وسقاني كأس حبهمُ
ورغم أن شاعرنا ابن معتوق قد استغرق في مدح ورثاء أهل البيت (ع) إلا أن ديوانه لم يخلُ من شعر وجداني رقيق استدعت مواقف محزنة أو مفرحة الى كتابته منه هذه الأبيات الآتية والتي قالها في عتاب أحد أولاده وكان قد خاصمه وأراد السفر:
جعلتك بالسويدا من فؤادي ومن حدقي فديتُك بالسوادِ
هويتك واصطفيتك دون رهطي وأولادي فكنت من الأعادي
جهلت أبوتي وجحدت حقي وقابلت المودة بالعنادِ
أتنسى حسن تربيتي ولطفي وما سبقت إليك من الأيادي
رجوتك كالعصا لأوان شيبي ومعتمدي إذا مالت عمادي
وإن كسرت يد الحدثان عظمي ترى منه بمنزلة الضمادِ
ولست أخال فيك يخيب ظني ويخطئ سهم حدسي واجتهادي
عساك عليّ تعطف يا حبيبي وتهجر ما تروم من البعادِ
كما اشتهر شاعرنا بنظم (المواليا) – وهو من الفنون الشعبية المستحدثة – في ذلك الوقت كما نظم (البند) وأبدع فيهما توفي ابن معتوق عام 1087هـ - 1676م.
|
|