قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لماذا تنخفض حرارة الحب في بعض البيوت...؟
*علي جواد
يتصور الكثير منّا إن لغة الحب والمودة بين الزوج والزوجة خاصة بأجواء ما بعد العقد الشرعي ثم الزواج وفترة شهر العسل، وبتغيّر الظروف الاجتماعية وتحوّل الاثنين الى ثلاثة او ربما اربعة، وانغماس الزوج في عالم الاعمال والمال، يكون من الصعب على الزوج او الزوجة الاعراب عن حبهما للطرف الآخر، وربما يشعر البعض بنوع من الحرج لأن هذه الكلمات اصبحت من الماضي او انها (خاصة بالشباب)!
وقبل ان نسرع للاستشهاد بالقرآن الكريم، هذا الكتاب السماوي العظيم الذي يُعد خير ضامن لحياة أسرية واجتماعية ناجحة، لابد ان نتذكر الدوافع النبيلة التي أدت بنا الى تشكيل الأسرة، وفي مقدمتها (الحب)، فالشاب يُحب ان يقترن بفتاة تعيش معه تحت سقف واحد تمنحه من الحنان والعاطفة والود ما يجعله يصنع من نفسه شخصية مستقيمة ومتوازنة في المجتمع، ويتخلص من كل عوامل الاضطراب النفسي والانشغال الذهني، وهذا عين الصواب ومطابقة للفطرة الإلهية واستجابةً للدعوة المحمدية الى بناء الأسرة حيث قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (ما بني بناء في الاسلام أعظم من الزواج).
إذن، الحب في حقيقته شعلة توقدها الغريزة الجنسية التي أودعها الله تعالى في نفوسنا، وهي لن تخبو ولا تنطفئ إلا بسوء استخدامها. نقرأ الآية الكريمة: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم /21)، وهذا دليل واضح أمام كل الازواج بمختلف الاعمار، بان مسألة الحب والمودة والرحمة والعاطفة وغيرها من المفردات الرقيقة، إنما هي جعل إلهي في نفوسنا، كما إنه سبحانه وتعالى جعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف على طول الخط، لا ان نتباعد او ان يعادي بعضنا البعض الآخر.
فاذا كان الحال هكذا، لماذا نشهد البرود العاطفي في كثير من أسرنا والتي نلاحظ علاماتها بوضوح في حالات الطلاق او استمرار الزوج في علاقاته الشبابية مع اصدقائه في جلسات السمر بالمقاهي والرحلات السياحية، او في استبدال العلاقات الزوجية بعلاقات من نوع الكتروني جديد يتمثل اليوم بالهاتف النقّال وامكاناتها التصويرية والصوتية، وايضاً في القنوات الفضائية ومواقع الانترنت؟
انه سؤال عريض وطويل حقاً... مع كل هذه التفرعات والتشعبات، لكنها الحقيقة والواقع ولابد لنا من مواجهة هذا الواقع بشجاعة لنستعيد تلك الأسرة السعيدة التي خرجت لنا العلماء والأدباء والشخصيات القيادية الفذّة.
صحيح ان الزوجين ما أن يضعا قدمهما على اعتاب بيت الزوجية فانهما يدخلان عالم الجدّ والعمل والانتاج، ويكون كل شيء بحساب وكتاب، لكن كل ذلك وغيره كثير، بحد ذاته بحاجة الى لين ودفء وإلا تحول البيت الى سوق أو الى دائرة حكومية أو ربما الى قسم داخلي للطلاب، وهذا ما لا يرضاه الزوجان لانفسهما، لانهما لاينكران بأي حال من الاحوال ما يجمعهما في الساعات الاخيرة من الليل. إذن، المشكلة ليست في الحب كمفهوم انساني، وانه يفقد حلاوته بمرور الزمن، إنما المشكلة في الانسان الذي يجلب المرارة الى بيت الزوجية من خلال التكبّر والعناد والانانية.
وهنا نقطة هامة جديرة بالاشارة؛ فان تقدم العمر بالزوجين يفترض ان يضيف اليهما تجارب عاطفية وانسانية لاسيما إن رزقا بأولاد، فالزوجان الذين بدءا حياتهما الزوجية بالحب الصادق والنبيل، لابد أنهما يرغبان بان ينعكس هذا الحب على أولادهما من خلال بعث دفء العاطفة والحنان اليهم، ويحاولان الايحاء للاولاد بانهم نتاج الحب والمودة بينهما، أما ان يقول البعض بان وجود الاطفال احد اسباب تراجع الدفء في العلاقات الزوجية، فان هذا يجانب الحقيقة ولا ينسجم مع الفطرة الإلهية، فالاولاد لا يأتون قسراً او بالاكراه إلا في الحالات الشاذّة، وهو خارج بحثنا بل هو بعيد الى حد كبير عن أعراف وتقاليد مجتمعنا. بل العكس فان تطبيق الحديث النبوي الشريف بكثرة الاولاد دليل على عمق التفاهم والتوادد بين الزوج وزوجته.
ومن اجل تفادي أي تصدع في العلاقات الزوجية او اصابتها بنوع من البرود والتباعد، بامكانهما الاختلاء لبعض الوقت بعيداً عن الاولاد وفي وقت مناسب للمصارحة وفضّ المشاعر والاحاسيس بينهما، كفيل بان يستعيدا أيامهما الاولى حيث الاجواء المفعمة بالحب والمودة، والامر يحتاج الى قليل من الاعتذار الضمني والتصحيح والتأكيد على الثوابت الأسرية مثل أمر تربية الاولاد والحفاظ على اقتصاد الأسرة والصورة الخارجية للعلاقات بينهما أمام الاقارب والمجتمع. وهكذا يجد الزوجين أنهما أمام اكثر من فرصة لتعزيز علاقاتهما الحميمة والابقاء على وهج الحب ودفء العلاقة الزوجية بينهما، عندها لن تكون للعوامل الخارجية مهما كانت، أن تؤثر في حياتنا ومستقبلنا.