الدعاء في القرآن الكريم
أبو الانبياء يطلق النداء
|
*صادق الحسيني
كلما ازداد ايمان الانسان ازداد معه ابتلاءه وامتحانه ليرتفع مقامه عند الله تعالى. لذا فالابتلاء يشمل الجميع وحتى الانبياء بل ويكون الابتلاء عندهم أشد وطأة.
وحينما ندرس حياة النبي ابراهيم (ع) من هذا الجانب نجد قلمّا ابتلي نبي من الانبياء بقدر ما ابتلي النبي ابراهيم (ع) لكن نراه يقف امام الابتلاءات كالجبل الشامخ لا يحيد عن اداء رسالته قيد أنملة بل ويزداد ايمانه ويسمو درجة يقينه، فهو مؤمن بأن كلما يجري عليه هو بعين الله التي لا تنام وان الله تعالى سينصره وسيكفيه شر الاشرار ومكرهم .
لقد بدأت ابتلاءات نبي الله ابراهيم منذ أن اعرض عن قومه و اعتزلهم لفساد عقيدتهم، ثم اقتحم المعبد وحطم الاصنام التي كانت تُعبد من دون الله، وإلقائه في أتون نار كبيرة، ثم رحلته منفياً في ارض الحجاز و ترك زوجته وابنه الصغير بواد غير ذي زرع، و رؤيته في المنام انه يذبح ابنه، وبنيانه للكعبة وكل حياته المباركة كانت تجسيداً للنبي الأواب الذي اتخذه الله لنفسه خليلا. كل ذلك ما كان ليكون لولا ارتباط ابراهيم الخليل (ع) بربه ودعاءه له في جميع محطات حياته، و لا يسع المقام لذكر جميع أدعية ابراهيم (ع) إلا انا سنذكر دعاء النبي في محطة هامة من محطات حياته وهي عند ترك زوجته هاجر وابنه اسماعيل في ذلك الوادي الذي كان من غير زرع (مكه المكرمة) بامر من الله تعالى، و كان افتراق ابراهيم عن هاجر يعد لحظة صعبة عليه لشدة حبه لزوجته و ابنه ولعدم وجود مقومات الحياة في مكة، وهو أمر لايمكن ان يطيقه رجل يكون أمام خيار أن يترك زوجته وطفله الصغير والظمآن في منطقة صخرية خالية من الماء، وعند وصوله الى جبل (ذي الطول) نظر بحسرة الى هاجر و ابنه فلم يعد يراهمها فدعا ربه وقال: "رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ" (ابراهيم /35).
وبالرغم من أن مكة كانت تفتقر لابسط مقومات العيش (كالماء و الغذاء) الّا أن النبي ابراهيم (ع) لم يدعو لذلك إنما دعى لأمر اهم وهو الأمن، لأن الامن هو الحاجة الأولى والأشد ضرورة التي يتحسس بها كل حي، وهدفه الحفاظ على الذات ومكتسباته و هو اذ يبلغ بالمجتمع الى التخلص من ادران الشر و البغي و العدوان يرفع الناس الى مجتمع التوحيد اذ لا يتخذ الناس بعضهم بعضاً ارباباً، فما فائدة الاكل اللذيد و المناظر الخلابة اذ افتقرت الى الامن و اذ لابد ان يفترس كل شخص جاره والّا وقع فريسة له و اذ يستعلي البعض على الآخر و تُحتكر الثروات و ُتنهب الاموال و تُهتك الاعراض، لذلك دعا النبي ابراهيم (ع) بأن يجعل الله تعالى الأمن لهذا البلد.
و نقرأ ايضاً في ادعيتنا المأثورة عن الائمة (عليهم السلام) (اللهم اني اسألك الامن و الايمان).
ومن ثمّ يردف الدعاء بقوله: "واجنبني وبني ان نعبد الاصنام".
تحطيم الاصنام
يطلب النبي العون الالهي لتجنب عبادة الاصنام وحاشى للنبي ذلك ولكن يريد أن يعطينا درس بطلبه العون من الله لتجنب عبادة الاصنام سواء الظاهرية منها او الخفية، فربما تكون الاصنام تلك الاحجار التي اتسمت بالالوهية افتراءً وكذبا، و قد يكون ذلك الطاغوت الذي يحكم بغير ما انزل الله، و ذلك المال و ذلك المجتمع و.... ربما لا نجد اليوم من يعبد الاصنام الحجرية، لكننا نجد الكثير ممن يشركون بالله الشرك الخفي فتراه يعبد السلطة و المال و الجاه و هذا ايضاً نوع من انواع الوثن، فينبغي لنا أن ندعو الله بالتخلّص من عبادتها .
و من شروط استجابة الدعاء بأن يُعرف المدعو... أترى لو ناديت اخوك هل يجيبك صديقك بل لو ناديت مجهولاً هل يجيبك احد وتعالى الله عن الامثال، فلو ناديت رباً موهوماً صنعته لنفسك تعبده من دون الله من حيث لا تعلم فلا شك بعدم استجابة دعائك إنما عليك الرجوع الى فطرتك لتعبد الله خالقك و تدعوه فإنّه مجيب الدعوات .
|
|