التسول .. هل تتضافر الجهود لحلّها ؟
|
*حيدر حسين
هو من المظاهر المشينة التي انتشرت في العراق خلال الفترة الراهنة، وكما هو معروف فان العراق بلد غني مقارنة بالدول الاخرى، ولكن مع الاسف نجد بعض الاشخاص يتخذ من التسوّل مهنة له، فتشهد مدناً في العراق انتشار المتسولين على شكل مجموعات تتوزع في تقاطعات الطرق وفي الاسواق وامام المطاعم وفي المراقد المقدسة وفي المرائب وغيرها من المناطق العامة.
قد يعزو الكثير من المتسولين عندما يسألهم احد عن حالهم، ان الفقر والحرمان والظروف الاجتماعية وحتى السياسية هو الذي يدفعهم للتجول في الشوارع واستعطاء الناس، فنحن قد نرى امامنا اطفال نتصور للوهلة الاولى انهم ايتام ، او نجد نساءً فنتصورهنّ ارامل، او حتى رجالاً يتحدثون عن البطالة وقلة ذات اليد. لكن كل ذلك اعذار لا تبرر العمل السيئ الذي يقومون به، ما خلا قلّة قليلة جداً من الذين فعلاً لم يجدوا باباً ليحصلوا منه على لقمة العيش سوى التسوّل. طبعاً هنالك آراء طرحها باحثون حول قضية الفقر والتسوّل، ولا نخوض عميقاً في هذا الموضوع لانه متشعب وطويل وتتدخل فيه عوامل سياسية واقتصادية ونفسية واجتماعية، علماً ان في سيرة أهل البيت عليهم السلام حصة لا بأس بها من الاحكام والوصايا التي تحول توجه الانسان نحو التسوّل والحاجة، وهنالك قصص ومواقف مشرفة من النبي الأكرم والأئمة المعصومين صلوات الله عليهم في هذا المجال. لكن نجمل الحديث بتحديد المسؤولية على ثلاث جهات رئيسة إزاء هذه الظاهرة السيئة في مجتمعنا:
اولاً: المتسوّل..
على الانسان الذي يشعر بالحاجة المادية ان يبحث عن عمل يرضاه الله ويتقبله المجتمع، وعدم طلب العون من عامة الناس، وهناك حادثة وقعت في زمن الرسول الأكرم وهي ان رجلاً جاءه وقال: ساعدني يارسول الله...! فقال له الرسول هل لديك عمل؟ قال لا، فقال له: ولِمَ...؟ ألا تتخذ عملاً يباركه الله لك؟ فقال الرجل: وماذا اعمل؟ قال له الرسول خذ هذه الفأس وقطع به الحطب وبعه في السوق، وبعد ايام جاء الى النبي صلى الله عليه وآله فرحاً وقال: لقد جلبت الحطب وبعته واكلت طعاماً جيداً واشتريت ثوباً جديداً... من هذه القصة المختصرة نعرف ان على الانسان ان يسعى لحفظ كرامته بين الناس وان يتخذ له عملاً يباركه الله ورسوله وان يكون عفيفاً طاهراً لايسقط في انظار الناس فيكون عالة وعنصراً غير بناء.
ثانياً: الحكومة ..
ان جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على الجانب الحكومي لامتلاكها بيت المال واموال الدولة وثرواتها، ثم اننا نرى ان أكثر المشاريع التي تنفذها الحكومة بمبالغ عالية جداً قد تكون غير ناجحة او تلحق الضرر بالدولة الشعب، وبالنتيجة يؤدي الى ضياع الاموال، ومثال ذلك انفاق الحكومة اموالاً طائلة على مشاريع انتاج الكهرباء فيما مشكلة الكهرباء على حالها، بل هي تتفاقم وتزداد يوماً بعد آخر، فضلاً عن حالات الفساد المالي المتفشية في كل مكان. أما بالنسبة لقضية الفقر والحرمان فانها اسهل مما لديها من مشاكل لحلها وبذلك بتوفير فرص العمل الكريمة سواء في القطاع العام ام القطاع الخاص، ثم على الحكومة ان ترعى الاطفال الايتام والمشردين بالدرجة الاولى لانهم يشكلون الجيل القادم، من خلال جمعهم في أماكن خاصة للتأهيل والتربية والتعليم ليكونوا مهيئين لممارسة المهن والاعمال المختلفة التي تخدمهم وتخدم المجتمع، كما تلتفت على توعية المجتمع بعدم استغلال الصغار وحاجتهم للمال على القيام باعمال اكبر من طاقاتهم وحجمهم، وبذلك تكون الحكومة قد شاركت بامانة وصدق في تنشئة جيل جديد قادر ان يوظف جهوده في خدمة الدين والوطن وينعم بسلامة عيشه.
ثالثاً: المجتمع..
ان المسؤولية تقع على المجتمع الذي تنمو امامه هذه الظاهرة وهو لا يحرك ساكناً. والحديث عن دور المجتمع في مكافحة الفقر والتسوّل هو الآخر متشعب وذو شجون بالحقيقة، لكن يمكن ان نجمل الحديث في مجالين: الاول: المجال الشرعي والاخلاقي؛ فقد شرّع الدين لنا قانون الخمس والزكاة، يقول ربنا عزوجل: " وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ" (الانفال /41). هذا ما يتعلق بالفرائض في الاموال، أما الاحسان، فطالما يوصينا القرآن الكريم والمعصومين الهداة بالاكثار من الاحسان في المجتمع، لانه عبارة عن شعاع يمتد فيشمل اعداد كبيرة ومساحات واسعة وليس مقتصراً على حد او مقدار او زمان او مكان. تقول الآية الكريمة: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم" (الذاريات/19). أما المجال الثاني: فهو يتسم بالجانب الانساني، فالانسان الضعيف من الناحية المادية ويقف على قارعة الطريق يحمل بيده عبوات الماء البارد او يمسح زجاج السيارات او يبيع بعض الاشياء البسيطة لا يختلف كثيراً عن ذلك الجالس على مقعد سيارة ربما يكون ثمنها مقابل سد حاجة عوائل عديدة ولعدة أشهر. لكننا نلاحظ التثاقل والتبرّم من البعض من اطفال صغار يبيعون الاشياء البسيطة ويتوددون الى اصحاب السيارات او المارة لشراء بضاعتهم، والاعجب من ذلك ان يحاول البعض المساومة على السعر مع الطفل الصغير الذي يجري تحت حرارة الشمس في الشوارع ويطلب منه تقليل الثمن....!!
ان هذا الطفل او الرجل او حتى المرأة تبتكر طريقة للتخلص من وصمة (المتسوّل) والمحتاج لمال الآخرين فهم انما يحاولون كسب المال بعرق جبينهم، وهنا يكون دور المجتمع بقليل من التعاطف والمواساة لا اكثر، لتشجيع هذه الشريحة على العمل واعطائهم اكثر مما يطلبون او على الاقل الشراء منهم تعزيزاً للثقة بانفسهم وحفظاً لكرامتهم. وبذلك نكون قد شجعناه على العمل وترك التسوّل وحافطنا على كرامته وفي نفس الوقت كسبنا الاجر العظيم والثواب الجزيل من الله تعالى.
من هنا فان المسؤولية مشتركة وعلى الجميع ان تتضافر جهودهم للقضاء على هذه الظاهرة ونحن نعيش في بلد خيراته كثيرة وقدراته الانسانية والمادية كبيرة ولا يجدر بنا ابداً ان نشهد هذه الظاهرة في واجهة مجتمعنا امام العالم.
|
|