تعلموا من اليابان
|
عادل بهبهاني
البناء الحضاري ليس مرهوناً بتقليد الغرب، ولا بنقل قوالبه الاجتماعية وتطبيقها في مجتمعاتنا، بل يكون عبر تطويع التجارب والخبرات التي نتعلمها من الغرب وفقا لقيمنا وتقاليدنا المحلية، حتى نحافظ على هويتنا وثقتنا بأنفسنا.
تجربة اليابان في )التنمية( بعد الحرب العالمية الثانية تجربة مثيرة، حتى أن البعض أطلق عليها وصف )معجزة(، بسبب التقدم التقني والصناعي الهائل الذي صنعه هذا البلد المدمر من الحرب في فترة قياسية. وقد ظن البعض أن )السر( في هذا النجاح، يكمن في الأخذ بالديمقراطية الغربية وثقافتها ونظمها الاجتماعية، في حين نجد دولا عدة فعلت ذلك قبل اليابان وبعدها، لكنها مازالت تراوح مكانها، بل إنها تحولت إلى تابع ممسوخ الهوية، يعاني من أمراض الحضارة الغربية أكثر من الغرب نفسه! إضافة إلى أن اليابان كان بلدا مسالما مع جيرانه، قبل تبنيه للنظم السياسية الغربية، لكنه ما لبث بعد تبنيه لتلك القيم أن خرج على تاريخه الطويل وتحول إلى بلد مستعمر، يغزو البلدان المحيطة به لنهب ثرواتها والسيطرة على شؤونها قبيل الحرب العالمية الثانية.
إن الجانب الملفت للنظر في التجربة اليابانية هو في ذلك )التزاوج( المثير بين التحديث الصناعي والقيم الاجتماعية السائدة، إذ لم يتخل الشعب الياباني ولا حكومته عن عاداتهم وتقاليدهم الشرقية المتوارثة، بل بقيت هي الأساس للتمدن الياباني، حتى أن المؤسسة الاقتصادية اليابانية أصبحت تحذو حذو العائلة اليابانية المتطبعة بالطباع الشرقية، فروح الألفة والتضامن تسود أجواء العمل في شركاتها، بحيث يظل العاملون مرتبطين بها إلى أن يصلوا للتقاعد، ومن النادر أن ينفصل العامل أو يفصل عن شركته. أما كيف حصلت اليابان على )التكنولوجيا(، وكيف أبدعت فيها حتى تفوقت في كثير من منتجاتها على منتجات الغرب الصانع )للآلة(، فإنه تم عن طريق التعلم من الغرب دون تبني قيمه ونظمه الاجتماعية، إذ كان موقف اليابان من الغرب موقف )التلميذ( الذي يأخذ من أستاذه علمه وخبرته، لا العبد الذي يطيع سيده فيما يملي عليه، ويتشبه به لإبعاد نفسه عن الشعور بالحقارة، فيظل رهينته إلى الأبد. هكذا نجد أن البناء الحضاري ليس مرهونا بتقليد الغرب، ولا بنقل قوالبه الاجتماعية وتطبيقها في مجتمعاتنا، بل يكون عبر تطويع التجارب والخبرات التي نتعلمها من الغرب وفقا لقيمنا وتقاليدنا المحلية، حتى نحافظ على هويتنا وثقتنا بأنفسنا، والحقيقة ان الثقافة اليابانية التي نجحت في تطويع التحديث الهائل في الحياة المدنية اليابانية، لا تعدو أن تكون قزما صغيرا جدا أمام ثقافتنا وتراثنا الإسلامي. فهل يلتفت مثقفونا لذلك، فيكفون عن ترويج المفاهيم المستوردة من الغرب أو الشرق، ويبدأون باستخراج الكنوز الثقافية الإسلامية المدفونة في باطن الكتب لتحويلها إلى طاقة تبعث الحركة والحيوية وروح الإبداع في المجتمع؟ . أم سيظلون يجادلون في البديهيات؟
|
|