الدعاء في القرآن الكريم
عباد الرحمن، "رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ"
|
*صادق الحسيني
جميعنا يرغب بان يكون من اهل استجابة الدعاء لاسيما في وقت الشدّة والمحنة. هكذا الانسان،. يؤوب الى ربه وخالقه عندما تنقطع به السبل ويجد أن لا ملجأ ومنجى الا اليه تعالى، لكن السؤال؛ هل هكذا نمط من التفكير كفيل بان يحمل الانسان الى حيث العروج والسمو واستجابة الدعاء؟
هنا يأتي دور المعرفة والثقافة التي يجب ان يحملها الانسان المؤمن بالله وبرسوله وكتابه وكل الثوابت والاصول والقيم، فالايمان بالله أول خطوة في الطريق اليه سبحانه وتعالى، ثم تتبعها الخطوة الاخرى وهي معرفته، بمعنى ان يتجلى هذا الايمان في سلوك الانسان المؤمن، لذا نجد الايمان درجات ومراحل، فربما يكون الايمان اجمالياً، كما لو عرف الانسان ان وراء الجبل غابة وذلك من خلال استنتاجات علمية او عقلية، لكن ربما يكون الايمان عرفانياً، وذلك حينما يغوص في ادغال الغابة ويتحسسها عن قرب، فالذين يؤمنون بالله عبر آيات معدودة قد لايصلو الى السلوك المتكامل لشخصية المؤمن، وعليه قد لانجده في كل المواقف والمشاهد والحالات. فاذا اراد الانسان اكتشاف حقيقة ايمانه، وهل انه وصل الى درجة العرفان، أو لا يزال ايمانه بسيطاً يخرجه عن حدود الكفر والجحود فقط، عليه ان يبحث عن آثار الايمان الصادق في نفسه، فان كانت متجسدة في سلوكه وتصرفاته فبها، وإلا فلا.
وفي سورة الفرقان المباركة يأتينا الدعاء الصادر من أعماق النفس والوجدان كأحد صفات المؤمنين ومن هم (عباد الرحمن)، مما يعني ان التلفّظ بعبارات الدعاء يجب ان يصدر من نفوس محضها الايمان بالله تعالى، فهؤلاء لا ينحصر دعاؤهم – على الأغلب- ضمن أطر الحياة المادية الزائلة من قبيل المال والسلامة البدنية و رخاء المعيشة، إنما الغفران والشكر والأهم التقوى من النار، فالانسان المؤمن حقيقةً وهو يعيش حياته المادية وسط صخب المعيشة وتدافع الناس على المال والشهرة والشهوة، يطلب من الله ليس لأن يعطيه ما يتمتع به الناس، إنما لأن يصرف عنه ربه عذاب جهنم في تلك الدار الآخرة التي جعلها الله للذين لا يريدوا علوّاً في الارض ولا فسادا. ففي الآية الكريمة: "وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" (الفرقان /65)، جاءت في سياق آيات بينت صفات (عباد الرحمن): "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً" (الفرقان /63-65).
هنا يتضح لنا جانب من صفات المؤمن الحقيقية.
|
|