قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
تحت الضوء
لماذا لا يتخلصون من (المحاصصة)؟
*محمد علي جواد تقي
يبدو ان العراق لم يطوِ بعد صفحة (المحاصصة السياسية)، ولم يلمس حتى الآن التطبيق العملي للنظام البرلماني ولو بنسبة معينة، كما إن الواجهات السياسية الكبرى الموجودة على الساحة لم تنجح في الإيحاء بانها تجاوزت الانتماءات (الطائفية) أو لنقل بعبارة أصح؛ الانتماءات الدينية والقومية، فقد بقيت هذه الانتماءات هي الأكبر وإن كانت خلف الستار، لسبب بسيط، هو الجغرافيا السكانية الحاضنة لتلك الانتماءات من شمال البلاد مروراً بالوسط ثم الجنوب، ومن المشاورات والمداولات بين الكيانات الفائزة في الانتخابات الأخيرة، يتضح إن سفينة العراق لن تكتمل وتحمل الشعب الى شاطئ النجاة إلا بمشاركة الجميع دون استثناء في السلطة التنفيذية، وحصول كل كيان أو شخص على حصة مُرضية تمثل انتماءه الديني أو القومي أو السياسي، نعم... هناك أكراد وشيعة وسنة، وهي حقيقة عجز السياسيون عن إخفائها أو ابعادها عن الواقع السياسي في العراق. حتى بلغ الأمر لأن يتريث ائتلافان معروفان بتقاربهما في الاهداف والبرامج السياسية، عن التحالف لحين البتّ في مصير ائتلاف آخر ليُصار الى انضمامه الى شُلة التحالف الجماعي لتشكيل الحكومة المرتقبة!
وفي مقال سابق ذكرنا ان الديمقراطية وللأسف الشديد بعد لم تترجم بشكل صحيح في العراق، ففي كل أنواع المنافسات في العالم لابد من خاسر و رابح، إلا في العراق، إذ لدينا رجال تدفعهم الوطنية بقوة فائقة يرفضون معها أن يكونوا خارج الحكومة والسلطة التنفيذية صاحبة اليد الطولى! ومن أجل ذلك وجدنا البعض يغازل على حساب ثوابته الدينية والطائفية، ظناّ منه بانه يقدم عرضاً بطولياً يحطم من حوله جميع القيود والحواجز، فيما البعض الآخر يحاول دفع التهمة عن نفسه بشمول أطراف اقليمية ودولية في زياراته واتصالاته، رغم العلاقات الواضحة بين هذا الائتلاف وبين تلك الدولة،والتي لم تعد تخفى على المواطن العراقي.
هنا من حقنا التساؤل: ما يمنع الائتلافات الموجودة من إظهار أهدافها ومنهجها الفكري والسياسي لعموم المواطنين في البلاد، ليكونوا كمن يتصفح الصحيفة أو المجلة ويبحث عن الشأن الذي يعنيه وبكل حرية؟ ولماذا يصرّ الجميع على التحدث عبر وسائل الاعلام عن برامج متشابهة الى حدٍ كبير، تتعلق بالخدمات والاوضاع الاقتصادية والمعيشية والأمنية؟ فإن كان الذي سيطرحه البعض من هذه الكيانات ما يثير الحساسيات أو الخلافات، فإذن عليها أن تتبرأ منها على الأقل وتؤكد أنها لن تحمل إلا ما ينسجم مع تقاليد وتراث المجتمع وهوية البلد. مثالٌ واحد أسوقه في هذا الحيّز المحدود؛ الحزب الشيوعي العراقي، فقد كان له مقعد في مجلس الحكم، وهو أول تشكيل رسمي للنظام الجديد بعد الاطاحة بنظام صدام، ثم دخل العملية السياسية من خلال الانتخابات البرلمانية في قائمة (العراقية) وحصل على مقاعد في مجلس النواب، كما كان له حضور في مجالس المحافظات، لكن مع تطور العلمية الانتخابية، واجراء انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان الاتحادي شهدنا تراجع الحزب المعروف بتاريخه في العراق، في اختبار صناديق الاقتراع، وأجزم إن الغالبية العظمى من ابناء الشعب لم تتعرف جيداً على هذا الحزب ولا غيره ممن صعدوا ثم نزلوا، وعلى توجهاته الفكرية والثقافية.
إن الشعب العراقي ليس بحاجة الى الشعارات الوطنية والوعود الجميلة وحتى الافكار والنظريات، فهو تحت هذه الشعارات والأفكار تعرض للدمار والابادة البشرية الرهيبة خلال الثلاثين عاماً الماضية، إنما يريد الشجاع الذي يحوّل نفسه مرآة لهذا الشعب تنعكس فيه المظلومية والحرمان وكل ما يمتّ بصلة الى المفاهيم السلبية مثل اليأس والاحباط والانهزامية و... علّه يتمكن بالتعاون معهم أن يستبدلها بمفاهيم ايجابية تبشر بالخير.