عشائر كربلاء المقدسة و الرسالة الحسينية
|
*محمد علي جواد تقي
بعد دقائق من اجتياز آخر وجبة من الراكضين في (عزاء طويريج) حيث أقف في الشارع العام، لاحظت منظراً غريباً وغير مسبوق بالنسبة لي على الاقل، فاضافة الى الاحذية وانواع الخف والنعال المتناثر بكثافة وسط الشارع، كان هنالك الجوراب المتناثر ايضاً...! ولا حاجة للسؤال عن كيفية خروج الجوراب من أرجل الراكضين المحتشدين، لان هنالك أفواجا من الراكضين كانوا خلال مسيرة العزاء يتسربون الى الطرق الفرعية لمواصلة سيرهم نحو ضريح سيد الشهداء بدلاً من التوقف والتدافع لغرض التفتيش، ولعل الاجراءات الامنية في الازقة تكون أقل وأسرع. وبعد ثلاثة ايام كان المقرر ان ينطلق موكب (بني أسد) لإحياء شعيرة التشبيه لمراسيم دفن الامام الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه، وهو موكب يتشكل على الاغلب وكما هو معروف منذ القدم من النسوة المؤمنات المواليات لاستذكار نظيراتهن من نساء بني أسد اللاتي اخبرن بوجود المجزرة المروعة الى جانب الفرات، ومعهن عدد محدود من رجال القبيلة. لكن هذه المرة لم يقتصر الامر على هذا القدر من الحضور والمشاركة، بل تحول الى تظاهرة جماهيرية عارمة شكلتها القبائل والعشائر في كربلاء المقدسة، واذا بمرقد الامام الحسين عليه السلام يعيد الزمن ثلاثة ايام الى الوراء ويستذكر المنظر المهيب لـ (عزاء طويريج) بهتافاته وافواجه المتدفقة نحو الحرم الشريف ولساعات متواصلة.
تلك المشاهد المهيبة لافراد العشائر العراقية الاصيلة والمؤمنة، تؤكد انها اكتشفت الطريق الى تلبية نداء الامام الحسين عليه السلام: (هل من ناصر ينصرنا...) بينما البعض ما يزال يفكر بكيفية تحقيق الفقرة الواردة في زيارة الشهداء (يا ليتنا كنا معكم فنفوز معكم فوزاً عظيماً). انه الاصرار على المشاركة في الشعائر الحسينية وبقوة، وان لا يكون متخلفاً عن الاخرين، حتى لا يوصم طوال عمره بانه كان مثل أولئك الذين تركوا الحسين وسط الميدان وحيداً امام السيوف والرماح والنبال. فاذا لم يتوفق في المشاركة بموكب (عزاء طويريج) فان امامه فرصة موكب (بني أسد)، وربما هي الفرصة الاخيرة في الشعائر الحسينية المتعلقة بايام عاشوراء، وهذا يفسر الحضور الملفت والمميز لكل هذا العدد الكبير من القبائل والعشائر في هذا الموكب يوم الثالث من استشهاد الامام عليه السلام. وللحقيقة نقول: ان موكب (بني أسد) هذا العام شكل رسالة حسينية مدوية الى من يهمه الامر بان الشعائر الحسينية في العراق لها مقوماتها ودعائمها:
1- الرؤية الواضحة للطريق الذي شقه الامام الحسين عليه السلام بدمه الزكي. والدليل تزايد المشاركة بين صفوف افراد المجتمع وايضاً في عدد الهيئات والمواكب.
2- الايمان القاطع بأحقية نهج اهل البيت عليهم السلام في الحياة، وانهم يجعلون التضحية والفداء وسيلة لبناء حياة افضل للمجتمع والامة، لا ان يضحي شخص واحد لضمان حياته الخاصة.
3- الاصرار والعزيمة على أداء أي عمل يصب في رافد النهضة الحسينية ويساهم في تخليد ذكرى عاشوراء.
من الآن فصاعداً تجري الاستعدادات لإحياء اربعين الامام الحسين عليه السلام، وليس بالضرورة ان نشهدها في كربلاء المقدسة، بل هي تدور رحاها في كل مناطق وارجاء العراق، بل والعالم بأسره، كما استعدت القبائل والعشائر الحسينية الشريفة بعد يوم العاشر من المحرم هذا العام لتفاجئ الجميع بذلك المشهد العظيم. فالفوز والفلاح لكل من مد يده لازالة العقبات الصعوبات من امام هذه المسيرة الحسينية، وشارك في تقويتها ونجاحها.
|
|