مختصون: ضخامة عائدات النفط لن ترفع العراقيين عن خط الفقر ان استمر سوء الادارة
|
البصرة/ الهدى:
ابتسم البروفسور جواد كاظم لفتة ، عندما تلقى سؤالا فحواه: هل إن ارتفاع إنتاج وصادرات النفط والغاز العراقيين وتعاظم مواردهما المالية، سيخرج مواطني البلد من خط الفقر..؟. فرد أستاذ مادة الاقتصاد بجامعة البصرة، قائلا: "هل سمعت بقصة برناردشو حينما ذهب بداية القرن العشرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكانت الأزمة الاقتصادية الكبرى نهاية العشرينات في أشدها، فبعد رجوعه سأله احد أصدقائه: كيف حال الاقتصاد الأمريكي...؟ فأجاب برناردشو بدعابته المعروفة: "رأيت غزارة في الإنتاج وراح ممسكا بلحيته، وسوء في التوزيع مادا يده إلى صلعته ورأسه الخالي من الشعر". وأوضح لفتة: "هنا تكمن المشكلة في الاقتصاد العراقي وموارده الكبيرة، فإذا كان هناك دولار واحد ويستخدم بكفاءة عالية ستكون المردودات جيدة وايجابية، وبالمقابل إذا كان هناك مليار دولار وتم استخدامها دون تخطيط أو برنامج، فسيكون المصير معروفا، وهو ضياع المال والهدف". ولفت إلى أن "موارد العراق كانت هائلة قبل النفط والغاز وبعدهما أصبح موقع العراق من حيث الأرقام ممتازا جدا، ويضاهي دولا كبيرة"، مستدركا: "لكن وفق المهيمنات في الوضع العراقي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، لا أرى أن هذه الأموال الجارية كالسيل، سترفع العراقيين عن خط الفقر".وأضاف: "يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وتصور دقيق وخارطة طريق سليمة لادارة دفة الاقتصاد، وهذا ما يفتقده الاقتصاد العراقي". واستطرد: "المشكلة هي أنه رغم تعاظم مردودات العراق المالية من النفط والغاز وقطاعات أخرى، فان طريقة التعامل مع هذه الموارد تحول دون تنميته وازدهاره، إذ يجب أن تركز القيادات الاقتصادية، على تطوير اقتصاد المعرفة وليس اقتصاد الصناعات فقط، ولهذا يجب أن توجه إيرادات النفط نحو الاقتصاد الجديد وليس الاقتصاد القديم، فالمعامل العراقية الإستراتيجية المتوقفة كمعامل الحديد والصلب والورق والبتروكمياويات والأسمدة هي ميتة عمليا والحديث عن تأهيلها مضيعة لعائدات النفط والغاز، فيجب ان توجه هذه الايرادات الى الاقتصاد الجديد". وختم لفتة أن "القرن الـ21 بحاجة إلى مقاربات اقتصادية جريئة وذلك بالاستخدام الأمثل للعوائد المادية والبشرية، وبذلك نستطيع أن نخرج من كل خطوط الفقر".
وحسب آخر تقارير الأمم المتحدة الذي أعلن الشهر الجاري، خلال مؤتمر عقده في بغداد المدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالعراق بيترو بتشيلور، فإن "نسبة الفقر المسجلة لدى الأمم المتحدة في العراق هي 23%" مبينا أن الأمم المتحدة "تعمل على خلق فرص عمل للمواطنين في قطاعي النفط والغاز". من جهته، قال رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني ان "الارتفاعات الكبيرة في إنتاج النفط والغاز ستتحقق ضمن مخطط زمني، وليس في السنوات القريبة المقبلة "، معربا عن قناعته بأن تصاعد الإنتاج والتصدير للنفط والغاز "سيكون مردوده على جميع العراق، لكن ذلك يحتاج الى وقت" وأضاف: "بدأت الصورة تتضح الآن، خاصة بعد جولات التراخيص في استثمار النفط والغاز رغم اعتراضنا على آلية التفاوض المحصورة بين وزارة النفط والشركات العالمية والإصرار على تهميش وإقصاء دور الحكومات المحلية ومنها حكومة محافظة البصرة التي تضم اراضيها نحو 80% من النفط والغاز في العراق". وفي ذات السياق المنتقد للاداء وزارة النفط ، قام رئيس مجلس محافظة البصرة برفع دعوى قضائية على الوزارة قبل أيام، أجمل أسبابها "بعدم اشراك الوزارة لحكومة البصرة المحلية في رسم السياسية النفطية للمحافظة التي نص عليها قانون المحافظات 112، وعدم توقيع عقد تأسيس شركة غاز البصرة مع شركتي شل ومسيوبيشي في ديوان محافظة البصرة كما هو مقرر".
الفساد والمحاصصة ستعطل التنمية
فيما قال عضو مجلس محافظة البصرة عن كتلة الأحرار ، كاظم الموسوي، انه "وفق مانراه من سياسات التهميش والإقصاء وغياب التخطيط الحقيقي وتحكم المحاصصة الحزبية والطائفية بالمشهد السياسي، اعتقد اننا لن نصل إلى مرحلة الخروج من خط الفقر قطعا وسنبقى ندور وندور في ذات المربع". وتساءل: "كيف يخرج البلد من عنق زجاجة الفقر والبطالة بوجود الفساد الإداري والمالي وسوء التنفيذ والتفاوض على حساب الحكومات المحلية...؟ اضافة إلى ما ذكرناه سلفا من عمليات المحاصصة بكل أنواعها". ودعا الموسوي الشعب العراقي الى أن "يعي هذه اللعبة وان يكون أكثر دقة وموضوعية عند اختيار مسؤوليه في الانتخابات القادمة". وشمل عدم التفاؤل الذي يبديه اهالي البصرة، من امكانية تحسن ظروفهم المعيشية وتجاوز مواطني المحافظة بفضل عائدات النفط كل خطوط الفقر والعوز والحاجة، الناشطين في منظمات المجتمع المدني.
من جهته يقول خليل إسماعيل داغر، رئيس جمعية الكرامة وهي منطقة اشتهرت بالزراعة "بالنسبة لنا أصبح النفط والغاز نقمة، وهو الذي أدخلنا إلى خط الفقر، بعد أن كنا مزارعين نعيش في وفرة ونعيم، النفط والغاز أكل خبز أطفالنا ومستقبلهم، فنحن لا نستطيع كمزارعين القيام بأي عمل داخل مزارعنا وحقولنا" حسب قوله. ويوضح: " تقع معظم مزارعنا التي هي اكثر من 2500 مزرعة في الأراضي النفطية، بل تمر عبر هذه المزارع شبكات أنابيب النفط ونحن نقوم بحمايتها طوعا للحكومة دون مقابل". وأضاف: " لكننا لا نرى أي تعاون من قبل الحكومة، فشرطة النفط تضيق علينا وتحد من حركتنا وتعرقل نقل ثمارنا مما يتسبب بتراجع إنتاجنا لأكثر من 60% مع هجرة البعض لمزارعهم" وتابع: "كانت مزارعنا تنتج يوميا 500 طن يوميا من محصول الطماطم، أما الآن فلا يتجاوز إنتاج مزارعنا 100 طن بسبب التضييق وهجر المزارع لأرضه". وتمتلك وزارة النفط اغلب أراضي البصرة باعتبارها أراضي نفطية، وتحظر تجديد عقود المزارعين أو تمليك أراض زراعية، بل قامت بتجفيف مساحات من الاهوار، بعد أن رحلت سكانها، بغية عمليات استكشاف واستخراج النفط والغاز.
التنمية قادمة بشرط الاستغلال الامثل للعوائد
وبعكسه يبدي رئيس هيئة استثمار البصرة المهندس حيدر علي فاضل، تفاؤلا واضحا، مبينا أن "الارتفاع الكبير في إنتاج النفط و الغاز سيعظم من موارد الدخل ويخرج الكثير من العراقيين من خط الفقر، لأن هناك مبالغ كبيرة ستصرف على المشاريع الاستثمارية، وتكون هناك أعمال متنوعة تقضي على البطالة وتنعش الاقتصاد تدريجيا". لكن فاضل يؤشر وجود مشاكل يجب تجاوزها لتحقيق تلك التنمية، قائلا: "يجب أن توضع خطة جديدة لاستخدام هذه الزيادات والمردودات المالية الكبيرة بصورة عادلة بين المحافظات والمواطنين، كما ان الفساد واحد من أهم المشكلات والمعرقلات في عمليات التنمية، وهناك مشاكل أخرى لا تقل أهمية عن الفساد وهو المركزية الإدارية والروتين في إدارة الموارد بسبب غياب أو عدم إعطاء الصلاحيات للحكومات المحلية في المحافظات وتركزها في المركز أو الوزارات". واتفق معه في الرأي، رئيس اتحاد رجال الأعمال في البصرة صبيح الهاشمي، حيث يقول ان "الارتفاع في الإنتاج والصادرات للنفط والغاز سيكون عاملا مهما في دفع قدرات الاقتصاد العراقي إلى الأمام وخصوصا مدينة البصرة التي ينتج فيها أكثر من80% من الثروة النفطية"، مبينا أن الغاز "هو عامل إضافي للنمو" وخلص الهاشمي إلى أن "هذه الثروات الهائلة ستخرج العراقيين من خط الفقر لو حسن استخدامها". بينما لا يرى الشيخ وسمي فياض (70 عاما) من قضاء المديّنة ، تحسنا في الأداء الاقتصادي ، بل يؤكد ضياع الزراعة التي كانت المصدر الأهم لرفع مستويات الدخل. ويقول انه " لم يكن أحد يصدق أن الفقر سيزورنا في يوم ما، فنحن كنا بعيدين عنه، لا ينقصنا شيء، ولم نكن حينها نعرف اننا بحاجة إلى الغاز أو النفط" وأوضح: "كانت قريتنا (العبرة) فيها خيرات كثيرة من مزارع الرز والحنطة وبساتين النخيل، وكان كل فرد منا يمتلك نحو 1000 نخلة وكان الماء وفيرا والصيد في أحسن حال، كنا نعيش في جنة حقيقية إلى أن انشأ النظام السابق في منتصف التسعينيات مشروعا إروائيا اطلق عليه مشروع النصر، وشكل بداية الخراب لأراضينا، لان بيئة الاهوار لا يمكن التلاعب بها، بعدها واجهت أراضينا عمليات التجفيف فذهب الخير مع الماء". وأضاف: "والآن قريتنا التي تمتد لكيلومترين بداخلها طرق نفطية وفيها آبار، ما جعل شركة نفط الجنوب تدعونا للرحيل ونحن نسكن هذه المنطقة منذ 600 عام". وختم متألما: "لم نحصل من النفط والغاز غير الدخان الأسود، وهو الذي أدخلنا في خط الفقر ودوائر المرض، فكيف يخرجنا منه".
سنزيد الصادرات وعلى الحكومة ان تحسن ادارة العائدات
من جهته، قال مدير شركة نفط الجنوب ضياء الموسوي: ان "مردودات النفط والغاز ستخرج العراق من خط الفقر، وهذا هو الطموح فهناك موارد متعاظمة للاقتصاد العراقي ونحن كفنيين بوزارة النفط علينا توفير هذه الموارد، أما حسن إدارتها فسيقع على الإداريين". وأشار إلى أن "حجم الموارد سيعتمد على الأسعار العالمية للنفط والغاز، وعلى زيادة وارتفاع التصدير ففي السنة القادمة سيرتفع إنتاجنا 500 ألف برميل يوميا أي سيكون نحو 3 ملايين برميل يوميا، فيما سيصل إنتاجنا كما هو مخطط عام 2015 إلى 12 مليون برميل يوميا، يعني ان مواردنا من النفط والغاز ستكون مئات المليارات من الدولارات سنويا، وهذا كفيل بأن يخرج العراقيين من خط الفقر". بينما رأى الخبير النفطي الدكتور عبد الجبار الحلفي، أن هنالك "رؤى حكومية غير متجانسة بشأن حل مشكلة التنمية الاقتصادية مع غياب الفكر الاستراتيجي لمعضلات الفقر الناتجة عن التدهور الاقتصادي في الهيكل الاقتصادي الكلي (قطاعات الصناعة والزراعة والتجارة)، الى جانب غياب المساءلة في عدم تنفيذ المشاريع الاجتماعية، ووجود سلطة تشريعية متنافرة في الايديولوجيا سياسيا واجتماعيا، بينما تغيب المعارضة في البرلمان بسبب المحاصصة".واضاف ان هنالك "تلكؤا في الإحصاءات الأسرية، بل غضا للنظر تماما من قبل الحكومة عن هذه الإحصاءات المهمة، فضلا عن استشراء الفساد المالي والإداري والصراع بين الكتل الحاكمة والاستحواذ على المناصب القيادية الهامة".وقال أنه "بسبب هذه الثوابت في ظل دولة نفطية تمتلك ثالث احتياطي في العالم، ستبقى نسبة عالية من سكان العراق ترزح تحت خط الفقر، وهذه حالة غير موجودة في دول الأوبك إلا في العراق". وكشف الحلفي أن "احتياطي العراق المؤكد من النفط هو 5، 143 مليار برميل، والاحتياطي المحتمل هو 350 مليار برميل، بينما احتياطي الغاز المؤكد هو 4 ترليون متر مكعب، والمحتمل هو 7،709 تريليون متر مكعب"، مبينا انها ارقام كبيرة يمكن ان تغير وجه البلد اذا تم تجاوز مفاصل الخلل التي تم الاشارة اليها.
المشكلة في ادارة الواردات
وترى النائبة عن حزب الفضيلة سوزان السعد، ان "هذه الموارد الكبيرة، ستخرج العراق من خط الفقر رغم أن عليهم أن لا يعتمدوا عليها لأن النفط والغاز ثروة ناضبة". وأوضحت: "ليست المشكلة بالواردات، بل المشكلة في كيفية ادارتها وكيف صرفها، فكل سنة هناك إيرادات عالية ولكن هناك عجز، إذ نبدأ بداية العام بعجز وننتهي بفائض، ما يدل على أنه ليس هناك إدارة جيدة، فعلينا أن نضع هيكلية جديدة تتمتع بحسن الإدارة وتبتعد عن الفساد وتمتص البطالة وتخضع لأقصى حدود الرقابة". لكن مدير شركة غاز الجنوب علي حسين خضير، يبدي تفاؤلا بامكانية تحسن الاوضاع المعيشية لعموم العراقيين بالاستفادة من المردودات "الهائلة" التي ستوفرها عمليات الزيادة الكبيرة في الانتاج النفطي والغازي في السنوات القادمة مع تطوير الحقول. ويقول خضير، "سيكون مجموع إنتاج الغاز من شركة البصرة التي تشكلت من من شركة غاز الجنوب 51% وشركة شل 44% وشركة مسيوبيشي 5%، اكثر من 2800 مقمق (وحدة قياس للغاز) عبر مدة زمنية تمتد من 6 الى 8 سنوات لكي نواكب عملية التصدير".ويضيف: "ستنتج الشركة أيضا 19120 طن/ يوم من الغاز السائل خلال ذروة الإنتاج الفعلي الذي سيتحقق بعد ثلاث سنوات، كما أن هناك مرحلة سيستخدم فيها الغاز الفائض بمقدار 600 مقمق ليدخل عمليات معالجة ويتم تسييله وتحويله إلى غاز سائل (غاز الطبخ) وسيتم تصديره الى الخارج عبر شركة التسويق الوطنية". ويشير خضير الى أن العراق "يحتاج حاليا من غاز الطبخ ال بي جي 4500 طن، بينما في حال بدء الإنتاج في شركة غاز البصرة وما سيضاف لها من حقل مجنون والحقول الأخرى، سيقارب الانتاج نحو 40 ألف طن وبالتالي هناك وفرة من الغاز سيتم تصديره" . وأوضح أن "وراء هذه الأرقام مردودات هائلة ستخرج العراق من خط الفقر وتضعه في خط الوفرة والازدهار". وكان مجلس الوزراء صادق الشهر الجاري على تأسيس شركة غاز البصرة المكونة من شركة غاز الجنوب من جهة، وشركة شل الهولندية ومسيوبيشي اليابانية من جهة أخرى.
|
|