قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

من ساس نفسه أدرك السياسة
أمين أحمد
تعد (السياسة) من أكثر الكلمات تداولا في مجتمعاتنا من دون الالتفات إلى المضمون الحقيقي لهذه الكلمة، وهو الأمر الذي يجعل آليات (حوار الطرشان) سائدة في العديد من أجوائنا السياسية، فقد تجد أفرادا يشنون حروبا شرسة ضد خصومهم السياسيين، في حين أنهم ذاتهم أيضا غارقون في القصور السياسي إلى أبعد مدى.
ومما يجدر ذكره أن العرف قد جرى على إطلاق مصطلح السياسة على النشاطات الخاصة بالدولة والحكم ومؤسسات الدولة الدستورية، كالوزارات والبرلمان، في حين أن السياسة في معناها اللغوي أشمل من ذلك بكثير، فهي تعني: (القيام على الشيء بما يصلحه).
وطبقا لهذا المعنى الواسع فإن السياسة الفعالة لا تقتصر على شؤون الدولة ومؤسساتها الدستورية فقط، وإنما تمتد لتشمل الاهتمامات الإدارية في جميع مجالات اهتمامنا كمجال الذات والأسرة والمجتمع والدولة والبيئة الكونية المحيطة بنا.
لذا فالسياسيون الجزئيون الذين يأسرهم بريق السلطة ويركزون على الإبداع السياسي في مجال إدارة الدولة ومؤسساتها الدستورية ويتغافلون عن تحقيق الإبداع السياسي في المجالات الأخرى، قد يجدون أنفسهم أمام طوفان سياسي غير مفهوم ومفصول عن حركة الحياة الحقيقية، ومن ثم قد يفاجأون يوما بأنهم قد شيّدوا عروشهم في صحراء ملأى بوحوش ضارية لم تجد من يسوسها ويروّضها.
وفي إشارة إلى الاهتمامات السياسية الشاملة التي تضمن نجاح رجال الدولة في مهماتهم القيادية يقول الشاعر: سادةٌ قادةٌ لكل جميعٍ / ساسةٌ للرجال يوم القتال.
ومن الأخطاء المهلكة لرجال السياسة ذلك الوهم الذي يسيطر عليهم بشأن الآخرين، فيرون أي قوة للآخرين تهديدا لهم، وهو الأمر الذي يدفعهم الى التشاغل السلبي بالآخرين فينسون الإعداد والاستعداد للمهمات القيادية الموكلة إليهم، وبدلا من أن يتجهوا لتنمية قدراتهم لضمان الكفاءة السياسية التي تؤهلهم للاستمرار، تراهم يتجهون نحو إضعاف الآخرين وغلق السبل أمامهم، علما بأن هذا السلوك في حد ذاته هو مخالف للمعنى اللغوي للسياسة، لأن السياسة تعني تنمية الذات والآخرين معاً، فالآخرون ما هم سوى تلك الأرضية الصلبة التي يقف عليها أي رجل سياسة عاقل، وفي هذا الشأن يقول المثل: (أن تكون فرداً في جماعة الأسود خيرٌ لك من أن تكون قائداً للنعاج). ويُشار في هذا الشأن إلى أن القدرة السياسية المبدعة تتجلى في أبهى صورها عندما تتجه نحو تذليل الأمور للآخرين ومنحهم فرصة الارتقاء وإثبات الوجود العادل، علما أن هذا النوع من الإبداع السياسي لا يمكن بلوغه ما لم يكن رجل السياسة ذا فعالية شديدة في مجال سياسة النفس وإدارة الذات.
يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الشأن: (من ساس نفسه أدرك السياسة).