تحت الضوء
قليلاً من الذكاء الاعلامي
|
*محمد علي جواد تقي
معروف في مهنة الاعلام، إن ما تنقله من نفي لأي شيء كان على لسان مسؤول حكومي أو غيره، يُفهم منه لدى المخاطب بالغاء الموجود والتخلّي عنه أو التبرؤ منه، حسب القضية وحجمها والموقف منها، وإلا فانه كما يُقال (لايمكن أن يعلو دخان من دون نار)، وعليه عندما نقرأ خبراً مفاده أن مسؤولاً في مجلس محافظة النجف المقدسة – أعني بهذه الصفة والتسمية- يعلن وبملء فيه وبغير قليل من التفاخر، "إن أعضاء المجلس قرروا بالاجماع حظر تناول وبيع و مرور المشروبات الكحولية"، وزاد أيضاً في حديثه الذي تناقلته بعض وسائل الاعلام، "حظر الاعلان عن المشروبات الكحولية" وتحدث عن وجود تراخيص لهذا النوع من العمل وقال: "إن جميع التراخيص من هذا النوع تُعد ملغاةً بموجب القرار..."!
وبما أنني أحد القراء والمتابعين، وكمواطن عراقي، عرفت لأول مرة إن هنالك تداولاًَ علنياً للخمور في هذه المدينة المقدسة، وأيضاً ترويجاً إعلانياً وحتى تراخيص عمل...! تماماً كما سائد ودارج في بعض مناطق العاصمة بغداد وبعض المدن العراقية.
ولا أشكّ أبداً في النوايا الحسنة لأعضاء مجلس محافظة النجف المقدسة، وهي الظهور أمام العالم بان المدينة التي تفخر بان تربها يضم أعظم شخصية عرفتها البشرية بعد النبي الأكرم، وهو أمير المؤمنين (عليه السلام)، لن ترضى أبداً بوجود زجاجات الخمور في واجهات المحلات التجارية أو وجود من يقوم بترويج هذه المادة التي هتف القرآن الكريم بحرمتها، ولذلك أطلق على هذه المدينة اسم (النجف الأشرف)، أي انها أشرف المدن، لكن أشك في عدم تمييز المسؤولين في هذه المحافظة بين مدينتهم وبين أية مدينة أخرى، فطالما تحدثوا وأسهبوا في فضائل هذه المدينة وقدسيتها ودورها الحضاري والثقافي والعلمي، وهم مشكورون على هذا الجهد، فكيف والحال كذلك، نجيز لأنفسنا بان نعد ظاهرة وحالة لا أخلاقية مشينة مثل تناول وتداول الخمور، أمراً مألوفاً ودارجاً في هذه المدينة المقدسة تحتاج الى إصدار قرار رسمي من مجلس المحافظة يقضي بحظرها..؟
وما يثيرني حقاً في هذا القرار أن مدينة النجف المقدسة، تحاول جاهدة لكسب قصب السبق على بقية المدن في البلاد للارتباط بالعالم الخارجي، من خلال مطارها الدولي ومن خلال مشاريعها الاقتصادية والسياحية، فهل يُعد قرار كهذا نقطة قوة لهذه المدينة أمام الزائرين من الدول الخليجية والاسلامية؟ وهل يشعر الزائر الى مدينة مقدسة بقوة وسطوة المسؤولين المحليين فيها وهو يسمع – مثلاً- قراراً بغلق دور (البغاء) والرذيلة؟!
نعم، يمكن أن تتعامل الحكومة المركزية أو الحكومات المحلية، كما في أي بلد بالعالم، مع ظواهر كهذه وسلوكيات شاذة عن الآداب العامة، ولن يكون هناك ما يثير تناقضاً أو مفاجأة اذا اعلنت وسائل الاعلام نقلاً عن المسؤولين المعنيين في بغداد أو البصرة حظر المشروبات الكحولية أو غيرها من الممارسات اللاأخلاقية، فلكل مقال مقام، ولنعطِ الأمور حقها وقدرها، ففي وزارة التربية لا تسأل عن مشكلة النفط والغاز، ولا تسأل في وزارة الدفاع عن الطرق والمواصلات و...
أنا مدرك تماماً أننا نبغي من وراء قرارات كهذه تحقيق السيطرة على الأرض والتأكيد على الثقة العالية بالنفس، وهو أمر جيد وسط التحديات التي نواجهها على أكثر من صعيد، لكن لنحذر أن لا يكون ذلك من خلال ملء آذان الناس بالحديث عن الدعارة والخمور والعمليات البطولية لمواجهتها ومعاقبة المخالفين! فان تكحيل العين وتجميلها أمر مستحب، لكن إصابتها بالعمى عمداً مع سبق الاصرار يُعد جريمة، أليس كذلك؟
|
|