ما هو الكوثر؟ ومن هو الأبتر ؟!
|
*باسم عبد الله
نقل الواحدي في أسباب نزول سورة الكوثر عن إبن عباس قوله: نزلت في العاص بن وائل، وذلك أنه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخرج من المسجد وهو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس فما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تحدث؟ قال: ذاك الأبتر! يعني النبي (صلوات الله وسلامه عليه)، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم وكان من خديجة، وكانت العرب في الجاهلية يسمون من ليس له إبن بـ(أبتر)، فأنزل الله تعالى هذه السورة. (وأسباب النزول، ج1، ص161).
وكما هو واضح فأن العاص بن وائل كان واحداً من مشركي قريش الأشداء على رسول الله، إذ كان ينتقص من النبي الأكرم في كل مناسبة، حتى عرف بقوله هذا بين قريش، وقد اشتهر بهذا العمل القبيح، وقد ترك أثراً سيئاً على قلب الرسول الأكرم فتألم من قوله أشد الألم، فأراد الله سبحانه أن يثبت هذا الأمر في قرآنه الكريم حتى يصبح (العاص) مثلبةً للتاريخ، وقد أورد الواحدي رواية أخرى للعاص وهو يذم الرسول فيها وقد جاء في الرواية: حدثني يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل السهمي إذا ذكر رسول الله قال: دعوه فإنما هو رجل أبتر لاعقب له، لوهلك انقطع ذكره واسترحتم منه، فأنزل الله تعالى في ذلك: "إنا أعطيناك الكوثر..." إلى آخر السورة، ونقل أيضاً عن عطاء عن ابن عباس: كان العاص بن وائل يمر بمحمد ويقول: إنني لأشنؤك وإنك لأبتر من الرجال، فأنزل الله تعالى: "إن شانئك هو الأبتر" من خير الدنيا والآخرة. (أسباب النزول، ص161).
ومن يقرأ هذه الروايات و روايات أخرى غيرها يدرك أن العاص بن وائل كان قد اتخذ من شنان أونعت النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بالأبتر كمسلك لمواجهة الرسالة التي يبثها بين الناس، فهو يظن بأن وفاة أبناء الرسول الواحد تلو الآخر هو دليل على ضعفه وعدم اتصاله بالسماء فلو كان نبياً لجعل له -حسب ظن العاص- من يخلفه من الذكور.
وشاء الله سبحانه أن يردّ على العاص ويلقمه الحجر، فأنزل هذه السورة وبشرّ رسوله فيها بالخير العظيم وهو (الكوثر)، فما هو الكوثر؟ وما هو الخير العظيم الذي حصل عليه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟
في كتب التفسير أن الكوثر على وزن فوعل، وهو من الكثرة، وهو الشيء الذي من شأنه الكثرة، والكوثر الخير الكثير والاعطاء على وجهين: إعطاء تمليك وله عطاء غير تمليك، وإعطاء الكوثر إعطاء تمليك كإعطاء الأجر.
وقد تعددت الآراء بشأن الكوثر فمنهم من قال انه: نهر في الجنة، جاء في الدر المنثور: وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" قال: نهر في بطنان الجنة حافتاه قباب الدر والياقوت فيه أزواجه وخدمه قال: وبأي شيء ذكر ذلك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل من باب الصفا وخرج من باب المروة فاستقبله العاص بن وائل السهمي، فرجع العاص إلى قريش فقالت له قريش: من استقبلك يا أبا عمرو آنفاً؟ قال: ذلك الأبتر، وأضاف: وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جريد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال: اغفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إغفاءة فرفع رأسه متبسماً فقال: أنه نزلت عليّ آنفاً سورة فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، إنا أعطيناك الكوثر... حتى ختمها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترده أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول يارب أنه من أمتي، فيقال: إنك لاتدري ما أحدث بعدك (الدر المنثور/ ص602).
وقيل عن الكوثر معانٍ عددية منها: النبوة والقرآن الكريم، وحوض النبي الأكرم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة، و كثرة امته، ونحن إذ نقلنا أكثر الأقوال بشأن معنى الكوثر فإننا لاننفي أن تكون كل الأمور التي قيلت واقعة تحت المعنى الشامل الواسع للكوثر وهو الخير الكثير، فالنبوة هي بلا شك هي خير للرسول (صلى الله عليه وآله)، وكذلك النهر في الجنة وكذا القرآن الكريم، وبقية الأمور الأخرى لكن جميعها لايقابل شنآن العاص بن وائل الذي شنئ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في أنه ابتر من ناحية الأبناء، فالرد المناسب يكون إن الله عزوجل سيرزق النبي الأعظم نسلاً يمتد إلى يوم القيامة من ناحية الزمن ويتسع ويكبر عدداً بحيث يصبح الأكثر نسلا بين الرجال، وهذا ما هو حاصل فعلاً حيث أن نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من إبنته فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هو الأكثر عدداً، بينما لا أحد يعرف نسل العاص بن وائل، فهذا هو الأبتر الذي ذكره القرآن الكريم: "إن شانئك هو الأبتر" .. إذن، ففاطمة (عليها السلام) هي الكوثر الذي جاء معناه ليقابل المعنى الذي ذكره شانئه العاص بن وائل الذي يُعد هو الأبتر في الحقيقة، فأراد الله عزوجل في هذه السورة أن ينفي صفة الأبتر عن نبيه الأكرم وهذا النفي لايكون إلا بالمعنى الذي قلناه، مع التأكيد إنه لاننفي أن تقع الأمور الأخرى كنهر الجنة وغيرها تحت معنى الكوثر أيضاً.
|
|