جسّ نبض
|
*محمد علي جواد تقي
يبدو ان الاوساط الاعلامية والسياسية لم تتفاجأ كثيراً بالتصريح الخطير الذي أدلى به السفير البريطاني في العراق (جون جينكينز) متوقعاً وقوع انقلاب عسكري في العراق يقوده قادة عسكريون بعثيون، ربما السبب في هذا البرود هو ألفة العراقيين عموماً مع النفس التآمري البريطاني، كما لو أنه سجية وشيمة عهدوها طوال قرن من الزمن، وتحديداً منذ أن عرفوا أن لديهم (دولة) بعد ثورتهم الجماهيرية المجيدة عام 1920، حيث لم يتذكر العراقيون أنهم فارقوا هذه السجّية والشيمة طيلة هذه الفترة.
قد نسلّم بأن لبريطانيا الدور كله في رسم الخارطة السياسية العراقية، ففي الوقت الذي تشاء تطبق سياستها القديمة (الإبقاء على الوضع الراهن)، وإن رأت خلاف هذا، تدفع بعجلات الدبابات الى الشوارع، وتزين البزات العسكرية لأشخاص مغمورين ومجهولين ليتحولوا بين عشية وضحاها الى شخصيات تفرض نفسها بالترغيب والترهيب، والأهم من ذلك دورها الكبير في إشعال الحروب يوماً وإطفائها يوماً آخر. لكن هل يعني هذا أن تقف الحكومة والبرلمان صامتة أمام هذا التدخل السافر في شؤوننا الداخلية؟ حقاً، إن من الصعب تصور عودة هذا السفير الى بغداد مرفوع الرأس دون أن يواجهه أحد بانتقاد واحتجاج على هذا الاستفزاز الجديد.
إن ما أدلى به السفير البريطاني كان في سياق حديثه أمام لجنة تحقيق برلمانية بشأن الدور البريطاني في الحرب على العراق، فهناك أصابع اتهام داخل بريطانيا توجه الى رئيس الوزراء الاسبق طوني بلير، بانه ساق البلاد الى تحالف – غير مبرر حسب ما يظهره البريطانيون- مع الولايات المتحدة للحرب في العراق، وربما كان يريد من وراء هذا الكلام تحذير الجالسين في لندن بانه والمسؤولين الآخرين بعد (لم يكملوا جميلهم) في العراق، فالضباط البعثيون ما يزالون متوغلين في الجيش وبإمكانهم احداث انقلاب عسكري! لكن هل يمنع من أن يكن هذا الكلام عملية جسّ نبض للخارطة السياسية الجديدة في العراق؟
أعتقد جزماً أن المحققين الجالسين قبالة سفيرهم في بغداد فهموا الرسالة التي ضمنها في حديثه، واطمأنوا الى أن العراق – حسب اعتقاد السفير- لا يمكنهه بهذه السهولة تحقيق حلمه بازالة جميع الفوارق الطائفية والعرقية والاتفاق على كلمة واحدة لبناء العراق وإعادته الى مكانته التي يستحقها، فهو مهدد بالحساسيات الطائفية من جهة وبالطموحات القومية من جهة أخرى، و أهم ما يعنيه جسّ النبض البريطاني، هو الإبقاء على حالة الأمية السياسية والثقافية واستعاضتها حالياً بالتنافس المحموم على السلطة والخوض في حروب الإلغاء والتهميش وحتى التسقيط، لكن السؤال هو من يثبت عافيته وسلامته من جسّ النبض هذا؟ هل ذلك الخاسر الذي يتعكّز على الدعم الأقليمي والدولي لكسب شرعيته السياسية؟ أم من يؤكد إن التغيير الشامل في العراق إنما تحقق بفضل تضحيات المعتقلين والمعتقلات وضحايا جرائم النظام البعثي البائد؟
|
|