لتعزيز الأواصر الاجتماعية
الحرمات .. حدود العلاقات الطيبة بين ا لأخوان المؤمنين
|
*كريم محمد
اذا أولى الله تعالى اهتماماً بالناس وأطّر حسن التعامل معهم وفرض حقوقاً تجاههم لكي يكون العيش طيباً، فقد اهتم تعالى بالمؤمن اهتماماً خاصاً، وأكد ذلك الانبياء والرسل والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، فمثلما يكرم الله تعالى المؤمن في الآخرة فإنه يدعو الى حفظ كرامته وحقوقه في الدنيا، والحرمة هي الحق الواجب المراعاة والتعظيم، وهي التحرُّج عن المخالفة والمجاسرة، قال الله جلَّ جلاله: "ومن يعظم حرمات الله فهو خيرٌ له عند ربه"، والمؤمن واحد من تلك الحرمات.
والمتأمِّل في شريعة الله تعالى يرى أنَّ للمؤمن أحكاماً تخصُّه في مختلف المجالات؛ كالمعاملات والقضاء والزواج وحتى مراسيم دفن الميت وغيرها، وهذا فضلٌ من الله تعالى، وكفى للمؤمن عزّاً أن يكون الله جلَّ جلاله العظيم الجبَّار وليَّه في تسديده وتأييده، يقول سبحانه في محكم التنزيل: "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"، وبعد ولاية الله للمؤمن، جعل المؤمنين جميعاً أولياء لبعضهم البعض، فهم كالجسد الواحد، قال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله"، ومن فضله سبحانه، أنْ منَّ على المؤمن بأن جعل عزَّته من عزَّته عزَّ وجلَّ، وليس وراء هذه الكرامة كرامة، قال جلَّ جلاله: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون"، وأمر سبحانه بالتواضع بين المؤمنين حباً لهم، فقال: "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين".
الكرامات الخاصة بالمؤمنين:
يروى أن النّبي (ص) نظر إلى الكعبة فقال: (مرحباً بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله والله للمؤمن أعظم حرمةً منك لأنَّ الله حرَّم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله ودمه وأن يُظنَّ به ظنُ السّوء)، و رُوي عن أبي عبد الله الصَّادق (ع) قولُه: (إنَّ المؤمن ليزهر نورُهُ لأهل السَّماء كما تَزهر نجومُ السَّماءِ لأهل الأرض)، وفي نصٍ أنَّهُ (ع) سُمع يقول: (ليس لأحدٍ على الله ثوابٌ على عمل، إلاَّ للمؤمنين)، وفي فضل المؤمنين يقول (ع): (إذا التقى المؤمنان كان بينهما مائةُ رحمة، تسعُ وتسعون لأشدِّهما حبّاً لصاحبه)، ويقول (ع): (إنَّ المؤمنَيْن ليلتقيان فيتصافحان، فلا يزال الله عليهما مقبلاً بوجهه، والذنوب تتحات عن وجوههما حَتَّى يفترقا)، فالمؤمن له شأنٌ عند خالقه، وأنبيائه وعند أهلِ السَّموات والأرض وتُجلِّله الرَّحمة بمجرَّد أنْ يتعامل مع الآخرين بصفته الإيمانيَّة. لكن السؤال هنا؛ أين تكمن كرامة الإنسان المؤمن لكي تكون علامة فارقة وحداً لا نتجاوزه؟
1-حفظ الأسرار.
من جملة الكرامات التي خصّ بها المؤمن عدم جواز التجسُّس عليه وأذيَّته أو فضحه في خصوصيَّاته الَّتِي لا يُريد لأحدٍ أن يطَّلع عليه، لذلك كان الدخول إلى بيت المؤمن أو التصرُّف بماله أو أغراضه أو الاطِّلاع على حاله بحاجة إلى إذنٍ صريح منه، وإلاَّ حَرُمَ ذلك، قال الله العزيز الحكيم: "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً"، وفي النصِّ الشريف: (أقرب ما يكون العبد إلى الكُفْر أنْ يكون الرَّجُل مواخياً للرَّجُل على الدِّين، ثمَّ يحفظ زلاَّته وعثراته ليضعه بها يوماً ما)، وعن أبي عبد الله الصَّادق (ع): (لو قال الرَّجُل لأخيه أُفٍّ لك، انقطع ما بينهم، قال: فإذا قال له: أنت عدوّي فقد كفر أحدهم، فإنْ اتَّهمه انماث الإيمانُ في قلبه، كما ينماث الملح في الماء).
2- النصرة.
لا يجوز خذلان المؤمن أو التغاضي على ما هو فيه وتركه يُواجِه قدره وحده، كذلك تجب النصيحة، ومَنْ أهمل ذلك، تصدَّى الله تعالى للانتقام منه جزاءً لإهماله أخيه، وقد ورد في الحديث الشريف أنَّ النَّبي (ص) سأل ربَّه، قال: (يا ربِّ ما حالُ المؤمن عندك؟ قال: يا مُحَمَّد، مَنْ أهان لي ولي، فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيءٍ إلى نُصْرة أوليائي)، وعن الإمام الصَّادق (ع)، قال: (ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلاَّ خذله الله عزَّ وجلَّ في الدُّنْيا والآخرة).
3- قضاء حاجته.
عن الامام الصادق (ع) قال: (أيُّما مؤمن مشى مع أخيه في حاجة ولم يُناصِحْه، فقد خان الله و رسوله)، وكذلك روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : (إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له معرفة به في الدنيا وقد امر به إلى النار، والملك ينطلق به، قال: فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت اصنع إليك المعروف في الدنيا، وأسعفك في الحاجة تطلبها مني، فهل عندك اليوم مكافأة؟ فيقول المؤمن للملك الموكل به خل سبيله، قال: فيسمع الله قول المؤمن، فيأمر الملك ان يجبر قول المؤمن فيخلي سبيله، وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: أيما مؤمن سأل أخاه المؤمن حاجة، وهو يقدر على قضائها فرده بها، سلط الله عليه شجاعا في قبره ينهش أصابعه).
4- نصحه.
ومن الحقوق أن يناصح المؤمن أخيه المؤمن، قال الامام الصادق عليه السلام : (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه)، وعن مولانا الصَّادق (ع): (من أتاه أخوه المؤمن فأكرمه فإنَّما أكرم الله عَزَّ وجَلَّ)، (من قال لأَخيه مَرحباً كتب الله له مرحباً إلى يوم القِيَامة)، (إنَّ المؤمن يخضع له كلّ شيء، ويهابه كلّ شيء، ثمَّ قال: إذا كان مخلصاً لله أخاف الله منه كلّ شيء حَتَّى هوامّ الأرض وسباعها وطير السَّماء، وحيتان البحر)، وعن مولانا الرِّضا (ع): (من استفاد أخاً في الله عزَّ وجلَّ واستفاد بيتاً في الجنَّة).
وهناك الكثير من الحقوق والتي أورد بعضها الامام الصادق عليه السلام في حديث بقوله: (إنَّ من حقّ المؤمن على المؤمن: المودة له في صدره والمواساة له في ماله، والخلف له في أهله، والنصرة له على من ظلمه، وان كان نافلة في المسلمين وكان غائباً أخذ له بنصيبه، وإذا مات، الزيارة في قبره، وأن لا يظلمه، وأن لايغشه، وأن لا يخونه، وأن لا يخذله، وأن لا يكذب عليه، وأن لا يقول له أفّ...)
*كسر قلب المؤمن
فليحاول الإنسان أن لا يتورط في يوم من الأيام بكسر قلب مؤمن لكي يذهب من هذه الدنيا وليس عليه تبعة من التبعات، وكسر خاطر المؤمن يتمثل في عدم اعطائه حقوقه او احترامه، أو قتل شخصيته وتشويه سمعته او عدم معونته مع المقدرة، وقد يكون في اجتثاث مشاعره وعدم الاهتمام لتألمه، كل ذلك يؤدي الى سخط الرب على من يفعل ذلك، قال النبي صلى الله عليه وآله: (من لا يعرف لاخيه مثل ما يعرف له، فليس بأخيه)، وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: (لا تستخف بأخيك المؤمن فيرحمه الله عزوجل عند استخفافك، ويغير ما بك)، وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: (من حقر مؤمنا فقيرا لم يزل الله عزوجل له حاقرا ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه)، وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: (من ستر عورة مؤمن سترالله عزوجل عورته يوم القيامة، ومن هتك ستر مؤمن هتك الله ستره يوم القيامة)، وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: (لا ترموا المؤمنين، ولا تتبعوا عثراتهم، فإنه من يتبع عثرة مؤمن يتبع الله عزوجل عثرته، ومن يتبع الله عزوجل عثرته فضحه في بيته)، وعن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: (من روى على مؤمن رواية يريد بها عيبه، وهدم مروته، أقامه الله عزوجل مقام الذل يوم القيامة حتى يخرج مما قال).
من هنا نفهم عظمة المؤمن عند الله تعالى وإن الباري هو خصيم من يخاصمه، فعلينا ان ندخل السرور عليه والقيام بحقوقه لكيلا نكون من الملعونين على لسان الله والملائكة والمؤمنين.
|
|