قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
تحت الضوء
يريدون إبعاد المرجعية الدينية عن الديمقراطية
*محمد علي جواد تقي
في غمرة البحث عن المفتاح المفقود للحكومة الجديدة والمرتقبة، حيث الجميع مشغولون بالشدّ والجذب بين هذا الائتلاف وذاك حول الصورة النهائية التي ستخرج بها الحكومة على مسرح الاحداث وأمام الشعب العراقي، لابد من التحقق من إحكام أبواب العراق أمام من يتجرأ بمد يده ولسانه من وراء الحدود نحو العملية الديمقراطية الجارية في العراق. صحيح إن الاطراف السياسية المتنافسة على الساحة حديثة العهد بالديمقراطية والعملية السياسية، لكن هذا شأننا، ونحن من يقرر كيف تسير قطار الحكم في البلاد وفي الاتجاه الذي يخدم مصالح هذا الشعب ويحقق له طموحاته وأهدافه ويعزز هويته الحضارية والثقافية، وإن كان ثمة خطأ أو زلل، بالامكان تصحيحه وإعادة الأمور الى نصابها.
والحقيقة فان المسار الديمقراطي الحالي في العراق يعبر حالياً والى حدٍ كبير عن البناء الاجتماعي والثقافي للشعب العراقي، فكل السياسيين بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم يعودون الى هذه التربة وهذا الشعب، وتشكل المرجعية الدينية الجزء الكبير من هذا البناء، وبالرغم من أمواج التغيير الهائلة التي عصفت بالعراق بعد التاسع من نيسان عام 2003 وانهيار منظومة حكم واستبدالها بأخرى، إلا هذه الحقيقة ظلّت راسخة وشاخصة للعيان، وهي إن المرجعية الدينية تمثل ضمير الجماهير وتعبر عن تطلعاتهم وطموحاتهم، ويمكننا تشبيه العلاقة بين المرجعية الدينية والجماهير كالعلاقة بين الأب و أفراد أسرته، مهما حصل من منغّصات او اختلالات، تبقى هذه العلاقة بجذورها الممتدة عبر التاريخ الناصع حيث الحفاظ على حرمة البلد بالتصدّي للاستعمار والاطماع الاجنبية، والحفاظ على حرمة المجتمع وهويته بمقاومة التيارات الفكرية المنحرفة، وليس آخرها سد كل المنافذ على المتسللين وخفافيش الظلام المروجين للحرب الأهلية أو ما يسمونه بـ (الحرب الطائفية). وهذه شهادة لا نقدمها نحن، إنما جاءت على لسان الآخرين في العراق وخارجه. ومنذ هدوء العاصفة التي أثارتها الأيادي القذرة بالاعتداء على مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام)، يشهد زقاق المرجعية الدينية في النجف الأشرف، زيارات متوالية لمسؤولين وسياسيين من العراق وخارجه ينظرون في رأي المرجعية بشأن الوضع السياسي وآفاقه، وهذا بحد ذاته يُعد مفخرة للمواطن العراقي الطامح لأن يقرر مصيره بنفسه، بان هناك جداراً عظيماً يسنده بالتجربة والمشورة والرؤية السديدة، وفي نفس الوقت يفسح له المجال ويحثه على المشاركة في أول تجربة ديمقراطية حقيقية في التاريخ السياسي للعراق.
هذه العلاقة المتجذرة من شأنها أن تلقم الحجر لكاتب المقال في الصيحفة البريطانية (الغارديان) بان تدخل المرجعية الدينية في العملية السياسية يمثل (انحداراً وإهانة للناخبين العراقيين)! وهنا يتضح لنا ولجميع العراقيين باننا لسنا أمام عملية بناء سياسي بحت، إنما هناك بناء ثقافي – فكري تراقبة أكثر من عين، وفي مقدمتها العيون البريطانية، ولمن يتابع وكالة (رويترز) والصحف البريطانية ووسائل اعلام أخرى للامبراطورية العجوز، يرى الحرص بارزاً على إظهار التنافر والتباعد بين السنّة والشيعة في العراق.
وأكاد أجزم أن بريطانيا على وجه الخصوص لن يهدأ لها بال، وهي صاحبة اليد الطولى في إزاحة صدام عن السلطة، إلا بعد أن ترى العملية الديمقراطية التي مرت من خلالهم الى العراق، وقد اكتسبت كل المواصفات والمعايير الغربية، وابتعدت كل البعد عن أي تقويم أو صياغة جديدة لتخدم الهوية والانتماء الديني في العراق.
القضية ليست سهلة بالمرة، إنها قضية ثأر تاريخي يئن من وطأته البريطانيون منذ ثورة (التبغ) في ايران وثورة (العشرين) في العراق، فهل من المعقول بعد كل ذلك الإذلال، تأتينا بريطانيا وتقدم لنا (الديمقراطية) كهدية مجانية؟!