شعر النساء في رثاء سيد الشهداء عليه السلام
|
*علي حسين يوسف
عطاء الثورة الحسينية معين لا ينضب على كافة الاصعدة والمجالات ففي صعيد الادب كان الادب الحسيني منذ يوم عاشوراء في طليعة الادب العربي كمّا ونوعاً فقلما تجد شاعراً عربيا لم يستعرض حادثة الطف في شعره استذكر وقفة الامام الحسين الخالدة واستلهم من قيمها ومبادئها.
لقد واكب الشعراء الحدث الحسيني منذ يوم عاشوراء حتى الآن فاعتمد شعرهم على صياغة الحقيقة التاريخية بقوالب فنية معبرة تعيد صورة الموقف البطولي وتؤجج مشاعر المتلقي جاعلة من احداث كربلاء صورا مليئة بالايحاءات والدلالات فكان للادب العربي من ذلك ثروة لا تقدر ولم يقتصر هذا الشعر على الرجال فقد كان للمرأة دورها في ايقاد هذه الثورة وجعلها حية في الضمائر واعظم دور بعد الامام الحسين عليه السلام في ثورته العظيمة مثلته سيدة البيت الهاشمي العقلية زينب بنت امير المؤمنين عليهما السلام تقول بنت الشاطئ في موسوعتها(آل النبي في كربلاء) ص765 :(كانت زينب عقيلة بني هاشم في تاريخ الاسلام وتاريخ الانسانية بطلة استطاعت ان تثأر لاخيها الشهيد وان تسلط معاول الهدم على دولة بني امية وان تغير مجرى التاريخ). لقد استطاعت هذه السيدة العظيمة التي كانت (تفرغ عن لسان ابيها عليهما السلام) ان تزلزل عروش الامويين وتفضح انحرافهم بخطبها ورثائها لاخيها فكونت هذه الخطب والرثائيات مع خطب ورثائيات السيدة سكينة بنت الامام الحسين والسيدة ام كلثوم بنت امير المؤمنين والسيدة الرباب زوجة الامام الحسين والسيدة اسماء بنت عقيل بن ابي طالب والسيدة ام البنين وغيرهن من سيدات بيت النبوة والنساء المؤمنات قمة البلاغة في الرثاء والعربي.
وقبل ان نستعرض ابيات السيدة زينب وباقي حرائر الوحي لابد من الاشارة الى ان شأنهن اسمى من الشعر وارفع من الادب، فهذه بنات بيت الوحي ومعدن الرسالة وكانت غاية الشعر عندهن هو نشر الهدف المقدس الذي سعى الامام الحسين عليه السلام لتحقيقة وفضح جرائم الامويين ولما كانت هذه الرثائيات قد جرى التغيير في الفاظها بفعل كثرة تناقلها فقد اعتمدنا على نقلها من اوثق المصادر قالت الحوراء زينب الكبرى في رثاء اخيها الحسين عليه السلام:
على الطف السلام وساكنيه
نفوس قدّست في الارض قدساً
مضاجعُ فتية عبدوا فناموا
علتهم في مضاجعهم كعاب
وصيّرت القبور لهم قصوراً
ــــــ العجز ـــــــ
وروح الله في تلك القبابٍِ
وقد خلقت من النطف العذابِ
هجوداً في الفدافد والروابي
بأردان منعمةٍ رطابِ
مناخاً ذات أفنيةٍ رحابِ
وقالت عليها السلام لما رأت الرأس الشريف وهو يشرق بنور النبوة:
يا هلالاً لما استتم كمالا
ما توهمّت ياشقيق فؤادي
ــــ العجز ــــ
غاله خسفه فأبدى غُروبا
كان هذا مقدّراً مكتوبا
وقالت تخاطب الجيش الاموي الذي باء بغضب من الله جراء فعلته النكراء:
أتشهرونا في البرية عنوة
كفرتم برب العرش ثم نبيه
لحاكم اله العرشِ ياشرامةٍ
ـــ العجز ــــ
ووالدنا أوحى اليه جليلُ
كأن لم يجئكم في الزمان رسولُ
لكم في لظى يوم المعاد عويلُ
ولما بلغ السبي النبوي الى المدينة خاطبت السيدة زينب المدينة قائلة:
مدينة جدنا لاتقبلينا
خرجنا منك بالاهلين جمعاً
وكنا في الخروج بجمع شملُ
وكنا في امان الله جهراً
ومولانا الحسين لنا انيسٌ
فنحن الضائعات بلا كفيل
ونحن السائرات على المطايا
ـــــ العجز ــــ
فبالحسرات والاحزان جينا
رجعنا لارجال ولابنينا
رجعناحاسرين مسلبينا
رجعنا بالقطيعة خائفينا
رجنا والحسين به رهينا
ونحن النائحات على اخينا
نشال على جمال المبغضينا
وكان في انتظار ركب السبايا فاطمة الصغرى بنت الامام الحسين عليه السلام ولما رأت وسمعت البكاء والنحيب واستيقنت باستشهاد ابيها الحسين ومن معه انشدت تقول:
نعب الغراب فقلت من
قال الامام فقلت من
ان الحسين بكربلا
فابكي الحسين بعبرة
ـــ العجز ـــ
تنعاه ويلك ياغرابِْ
قال الموفق للصوابْ
بين الأسنة والضرابْ
ترجى الاله مع الثوابْ
وقالت سكينة بنت الحسين عليه السلام:
لا تعذليه فهمٌ قاطعٌ طرقه
ان الحسين غداة الطف يرشقه
بكف شر عباد الله كلهم
يا أمة السوء هاتواما احتجاجكم
الويل حلّ بكم الا بمن لحقه
ياعين فاحتفلي طول الحياة دما
لكن على ابن رسول الله فانسكبي
ــــ العجز ـــ
فعينه بدموع ذرّفٍ غدقه
ريب المنون فما ان يخطئ الحدقه
نسل البغايا وجيش المرّق الفسقه
غداً وجلّكم وبالسيف قد صفقه
صيّرتموه لأرماح العدى درقه
لاتبكِ ولداً ولا أهلاً ولا رفقهْ
قيماً ودمعاً وفي اثريهما العلقه
ولما جاء نعي الحسين عليه السلام المدينة خرجت اسماء بنت عقيل بن ابي طالب مع بقية نساء بني هاشم وهي تقول:
ماذا تقولون ان قال النبي لكم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي
ماكان هذا جزائي اذ نصحت لكم
ــــ العجز ـــ
ماذا فعلتم وانتم آخر الامم
منهم اُسارى وقتلى خرّجوا بدم
ان تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي
وكانت ام البنين (فاطمة بنت حزام الكلابية) تخرج الى البقيع كل يوم وتحمل عبيد الله بن العباس بن علي بن ابي طالب عليهما السلام على كتفها فيجتمع اهل المدينة لسماع رثائها وكان مروان بن الحكم على شدة بغضه لاهل البيت عليهم السلام يبكي لبكائها فمن قولها في رثاء اولادها:
لاتدعوّني ويك اُم البنينْ
كانت بنون لي أُدعى بهم
اربعة مثل نسور الربى
تنازع الخرصان اشلاءهم
ياليت شعري اكما اخبروا
ــــ العجز ـــــ
تذكريني بليوث العرينْ
واليوم اصبحت ولا من بنين
قد واصلوا الموت بقطع الوتبن
فكلهم أمسى صريعاً طعين
بأن عباساً قطيع الو تين
وقالت في رثاء ابي الفضل العباس اكبر اولادها:
يامن رأى العباس كر
ووراه من ابناء حيدر
انبئت ان ابني اُصيب
ويلي علي شبلي اما
لو كان سيفك في يد
ــــ العجز ـــ
على جماهير النقدْ
كل ليث ذي لبدْ
برأسه مقطوع يدْ
ل برأسه ضرب العمدْ
يك لمادنا منه احدْ
وقالت ام كلثوم بنت امير المؤمنين عليهما السلام بعد خطبتها في الكوفة:
قتلتم أخي ظلماً فويل لامكم
سفكتم دماءً حرّم الله سفكها
ـــ العجز ـــ
ستجزن ناراً حرٍّها يتوقدُ
وحرّمها القرآنُ ثم محمد
اما الرباب زوجة الحسين فلم تزل تبكي عليه حتى فارقت الحياة ومن مراثيها قولها:
ان الذي كان نوراً يستضاء به
سبط النبي جزاك الله صالحة ط
قد كنت لي جبلاً صلداً الوذ به
من لليتامى ومن للسائلين ومن
والله لا ابتغي صهراً بصهركم
ـــ العجز ـــ
في كربلاء قتيل غير مدفون
عنا وجنبت خسران الموازين
وكنت تصحبنا بالحم والدين
نغني ويأوي اليه كل مسكين
حتى اغيّب بين اللحد والطين
ولما دخل بشر بن حذلم الى المدينة ونعى الحسين بأبياته المشهورة ما بقيت في المدينة امرأة إلا خرجت وهي باكية فقالت امرأة لم يذكر لنا التاريخ اسمها وكانت تنوح على الامام الحسين وتقول:
نعى سيدي ناعٍٍ نعاه فأوجعا
فعينيّ جودا بالدموع واسكبا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا
على ابن نبي الله وابن وصيه
ــــ العجز ـــ
وامرضني ناعٍ نعاه فأفجعا
وجودا بدمعٍ بعددمعكما معا
فاصبح هذا المجد والدين أجدعا
وان كان عنا شاحط الدار اشسعا
وقالت ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب :
عيني ابكي بعبرة وعويل
ستة كلهم لصلب علي
ـــ العجز ــ
واندبي إن ندبت آل الرسولِِ
قدأُ صيبوا وخمسة لعقيلِ
وقد تواترت الروايات على بكاء فاطمة الزهراء ورثائها الحسين عليهما السلام في مواقف مختلفة من ذلك ماروي انه كانت هناك نائحة اسمها درة وكنت من صالحات نساء المسلمين كثيرة الصيام والصلاة فرأت في منامها فاطمة الزهراء وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً وهي تقول:
ايها العينان فيضا
وابكيا بالطف ميتاً
لم أُمرضه قتيلاً
ــــ العجز ـــ
واستهلاّ لاتغيضا
ترك الصدر رضيضا
لا ولا كان مريضا
كانت هذه المراثي هي نواة مراثي النساء في سيد الشهداء وانطلقت بعدها الرثائيات تدوّي في كل زمان ومكان منذ يوم عاشوراء والى الآن.
المصادر :
1- الاحتجاج/ الطبرسي
2- ادب الطف/ جواد شبر
3- بلاغات النساء/ احمد بن ابي طيفور
4- اشعار النساء/ المرزباني
5- اللهوف في قتلى الطفوف/ ابن طاووس
|
|