دعوات لوقف سوق (المعاملات الربوية): تسبب مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة وضحايا في ازدياد
سوق شبه رسمية لمحلات صيرفة.. و(النساء) تسيطر على التداول الاكبر في (سوق الظل) ؟!
|
الناصرية/ الهدى:
دعا ناشطون ومواطنون بالناصرية، الى وقف سوق "المعاملات الربوية"، محذرين من أن تلك المعاملات التي قالوا إن نساء تسيطر على جزء كبير منها، صارت مصدرا لمشاكل اجتماعية واقتصادية، فيما طالب محللون بتدخل الحكومة لتقليص الظاهرة عبر تفعيل دور البنوك او اقامة بنوك لا ربوية.
ويقول الناشط بسام الجابري من منظمة البيت العراقي، لـ(الهدى) ان "التضخم الذي شهدته السوق العراقية والذي يلقي ظلاله على المجتمع، ناتج عن عدة سلوكيات خاطئة من فساد ورشاوى ومعاملات ربوية تنامت في الفترة الأخيرة بعد ان ظهرت في فترة الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي نتيجة للحاجة الى رأس المال في مجتمع متخوف، وذلك لتحريك عجلة الاعمار بعد الحرب التي شنت على العراق".ويضيف ان "هنالك سوقا شبه رسمية للمعاملات الربوية (...) ضمن اقل من 10 محلات صيرفة رئيسية تعمل بصورة علنية في محافظة ذي قار، الا ان حجم التداول فيها محدود قياسا مع سوق الظل الذي تسيطر عليه نساء في الكثير من المناطق ويعتبر مصدر تمويل اساسي لكثير من المشاريع التجارية الصغيرة بل وحتى مصدر لتمويل مصاريف عقد الزيجات" ويتابع مستدركا بالقول" ولكنها تفرض على قروضها ارباحا فاحشة ما تسببت في بعض الحالات بتهجير عدد من العوائل المقترضة من بيوتها الى مناطق التجاوزات (الحواسم) بسبب عدم دفع قروضها، مع العديد من المشاكل العشائرية". ويشدد الجابري على أن "مشكلة القروض الربوية تتمثل في ان الفوائد تصبح اكبر من المبلغ المدين مع مرور الزمن، لأن الفائدة البالغة اكثر من 15%من الدين تحسب شهريا اي انها سنويا ستتضخم بصورة كارثية فاذا استدان شخص 100$ عليه ان يسددها مع فائدة سنوية قدرها180$ وهو مبلغ مجحف لايوجد تعامل مشابه له بالعالم".
أم أحمد: قروضنا لـ (مساعدة الناس) رغم (الفوائد)
من جانبهن، ترى بعض النساء اللواتي يعملنّ في المجال أن عملهن هو "تسهيل الامور"، فحسب ماتقول ام احمد وهي موظفة تمارس تلك التجارة الرائجة أو ما تسميه هي "مساعدة الناس" عبر توفير قروض بفوائد، رغم وجود كراهية لها في المنطقة : "بابي مفتوح لكل من يريد مبلغا ماليا للبدء بمشروع او حتى الزواج، فقد ساهمت في اتمام اكثر من 11 عرسا عن طريق تحمل تكاليفها من اثاث وملابس وحتى (النيشان) من الذهب المقدم للعروس على ان يسدد الزوجان المبلغ عبر اقساط محددة وبنسبة ربح تزداد مع محدودية القسط، وهو عمل لتسهيل الأمور ومساعدة الناس ولا علاقة له بالربا، والكثير من الموظفات بدوائر الدولة يقترضن لتحسين اوضاعهن". وعن علاقتها بالجيران الذين ابلغونا بكثرة مشاكلها، تقول ام أحمد ان "هنالك من يأخذ المال ويرفض بعدها تسديد الأقساط حين يأتي موعدها، ولا يمكنني ان اترك اموالي التي قضت حوائجهم عندما كانت ظروفهم غير مناسبة، والقرض كان بشروط وعليهم ان يلتزموا بسداده ماداموا وافقوا عليه بالبداية، هذا حق والله لا يرضى بالظلم" حسب تعبيرها.
احد اسبابها (الطبقية الصارخة) و(الثراء المفآجىء) للبعض
لكن لرئيس منظمة حماية الأسرة العراقية حقي كريم، رأياً آخر حيث قال ان "معاملات السوق الربوية تتسبب في مشاكل اجتماعية كثيرة بين أطرافها"، مبينا أن تلك "المعاملات بدأت تشمل قطاعات اساسية في تركيبة المجتمع وخصوصا النساء اللواتي شكلن الخط الأخير في تركيبة الأسرة المحافظة في خلال العقود السابقة جراء انشغال الرجال بالحروب ومواجهة المآسي التي مر بها البلد". ويرى كريم ان أبرز أسباب انتشار المعاملات الربوية يرجع الى "الطبقية الصارخة التي نشأت مؤخرا في المجتمع ووجود شرائح معدمة لاتمتلك رأس مال، مع بروز مفاجئ لشرائح غنية دون معرفة سبب ثرائها" مع عدم امتلاك تلك الشرائح للفكر الاقتصادي والتجاري ما يدفعها لاستغلال اموالها في مثل هذه المعاملات الخاطئة والسلبية وغير الجائزة. ويشير الى ان "المعاملات الربوية النسوية تظهر بشكل كبير عند الموظفات اللواتي يسيطرن على معظم دوائر الدولة في المحافظة بعد تحسن رواتبهن" وتكون صيغة القرض على الأغلب عبر قطع من المصوغات الذهبية تسترد كأموال ضمن مايصفه بـ"الحيل الشرعية" حسب تعبيره، و" المتبعة حاليا في السوق، والتي تسببت بحصول العديد من المآسي الاجتماعية في المحافظة".
ومن بعض نتائجها وقصصها.. (الانتحار)
المشاكل التي تسببها القروض الربوية كثيرة وضحاياها في ازدياد، فاحدى المقترضات من السوق الربوي راح اثنان من افراد عائلتها ضحية لمعاملات السوق بعد اقدامهم على الانتحار في مشكلة مازالت مستمرة. وتروي أم نور قصتها قائلة: "اقترضت قطعاً ذهبية بمبلغ يساوي 12 مليون دينار (10.04 آلاف دولار) من جارتي على ان اسددها بأقساط شهرية، واقرضت المبلغ لزوجة اخي بفائدة جيدة منذ عدة سنوات، الا ان تردي حالة أخي بعد طرده من عمله منعه من سداد القرض، فيما طالبتني جارتي بمبلغ 150 مليون دينار (125.5 الف دولار) وهو قيمة المبلغ مع الفوائد، وطبعا المبلغ كبير جدا ولم نتمكن من سداده حتى بعد بيع دار عائلتي مع كل الاثاث الذي املكه". عدم قدرة ام نور على دفع المبلغ كاملا، دفع في النهاية بأخيها الى الانتحار بعد فشله في الالتزام بتعهده لعشيرة الجارة بسداد المبلغ بسبب استمرار حساب الفائدة الشهرية للربا وقدره 1,800 مليون دينار. وتلفت أم نور الى ان ان اخاها انتحر باطلاقات نارية من بندقيته الشخصية، لتنتحر والدتها بعد مدة بحرق نفسها بالبنزين في أحد ماتسمى شعبيا بأحياء الحواسم (مناطق التجاوزات) شمالي الناصرية جراء استمرار المطالبات بتسديد فوائد الربا.
معاملات ربا (واضح) واخرى (محل خلاف)
من جهته، يحذر الاعلامي عباس الغزي، من نتائج المعاملات الربوية، مشيرا الى وجود انواع مختلفة من تلك التعاملات بعضها حرام بدون شك لأنها تمثل ربا، والبعض الآخر هي محل خلاف. ويقول ان "محلات الصيرفة التي تدير سوق الربا في الأغلب يسيطر عليها رجال تبدو عليهم سمة الالتزام " حسب تعبيره،، ولهم ماوصفه بـ"فقههم الديني الخاص" على حدّ وصفه، و" ربما حيلهم الشرعية غير المعروفة للآخرين، وهم يتلقون نسبة فائدة شهرية لا تتجاوز 13% على المبلغ يسمونها الربح الحلال، ويعتبرون ما زاد عنه حراما". ويشير الى ان الأمر مختلف في المعاملات التي تجري خارج السوق، موردا احدى الحوادث التي "دخلت مرحلة الفصل العشائري تتعلق بامرأة تدعي حقها بـ200 مليون دينار، حيث تعطي قروضاً للمناطق الريفية وبحيلة شرعية غريبة تتلخص بأخذ الفوائد الشهرية عبر تحويلها الى خراف ترعى بارض المقترض، وقد تم تحديد سعر الرأس الواحد منها باكثر من 200 دولار" ويقول الغزي أن " هذا ربا واضح ولا لبس فيه" بحسب رأيه ويوافقه على ذلك الكثيرون.
هدم الاساس الاقتصادي. . والتهام جهود ومشاريع الاخرين
التحذير من خطورة تلك المعاملات التجارية يتعدى انعكاساتها الاجتماعية، ليصل الى احداث مشاكل اقتصادية كبيرة تعطل بيئة العمل الصحية وحركة البناء عبر اخراج بعض المقاولين والشركات من سوق العمل نتيجة تورطها بالاقتراض من السوق الربوية مايؤثر على انجاز المشاريع. ويقول المحلل صلاح الحصيني إن "الربا بدأ يهدم الاساس الاقتصادي في المحافظة، ويحول راس المال الى رمال متحركة يمكن ان تلتهم جهود ومشاريع الاخرين التي افنوا عمرهم بتشييدها عبر الفائدة الشهرية العالية، حيث دخلت تلك المعاملات لكل مفاصل السوق من ابسط محل الى المقاولين والمتعهدين الكبار وحتى الشركات المنفذة للمشاريع الاستراتيجية، والتي تضطر بسبب تعطل سداد الدولة لأموالهم الى الاقتراض باللجوء الى تلك المعاملات ما يرتب عليهم فوائد فاحشة تذهب برأس مالهم الأصلي ويخرجون جراءه من سوق العمل كليا".ويضيف: "هذا هو امر هدام يجب ان تضع الدولة حلا له باسرع وقت وعبر تحركات اقتصادية وقانونية، قبل ان نصل الى حالة تجمع رؤوس الاموال لدى اشخاص قلائل يمكنهم من التحكم بالسوق وضمن شروطهم فقط". ويذهب المحلل فاضل الخاقاني، في تحذيره من المعاملات الربوية الى أبعد من ذلك، مبينا أن "هناك منهجاً لجعل مختلف القطاعات ربوية عبر فتح الباب أمام عدد من الشركات الاستثمارية لاقراض الموظفين الذين يمثلون الطبقة المتوسطة في المجتمع قروضا ربوية تصل فائدتها النهائية احيانا الى 50%، وكما جرى في السلف التي اعطيت مؤخرا لقادة المجتمع من اعضاء مجالس المحافظات والقضاة والضباط ذوي الرتب العالية مما يؤسس لمجتمع ربوي". ويلفت الخاقاني الى ان "الضغوطات العشائرية اسهمت في تنامي هذا الاتجاه الذي لا يوجد نص قانوني يوقفه، فالى الآن لا يوجد تحرك حكومي يقلص هذه الظاهرة عبر تفعيل دور البنوك او اقامة بنوك لا ربوية تسعى لخدمة المواطن بدلا من ان تمتص رزقه اليومي".
بدوره يقول، رئيس اللجنة الدينية والثقافية بمجلس محافظة ذي قار الشيخ فاخر يوسف، ان "اتباع مايسمى بالحيل الشرعية يخالف اصل المطلب، وهو يخرج عن اطاره الديني مادام يتسبب في ايذاء الانسان"، مبينا أن تلك المعاملات "تحولت الى ظاهرة مضرة بالمجتمع لأن الاسلام دين سمح جاء ليتمم مكارم الاخلاق وبني على لا ضرر ولاضرار، وهو يرفض كل اشكال الخداع وقطع أواصر المجتمع".ويطالب الشيخ يوسف اصحاب المعاملات الربوية بالتوقف عن ذلك ومراجعة انفسهم ومحاسبتها "ويفكروا في ما يتركوه من أثار سلبية على المجتمع بحيلهم الشرعية التي يدّعون، والتي هي شراك للشيطان واضحة الضرر على الاخرين". ويضيف أن ماتوصف بـ "الحيل الشرعية يجب ان لا تصادر الأصل، وما يتحججون به مجرد ترهات مبنية على الشبهة ولاتقف امام العقل، ولا يمكن عبادة الله من حيث يعصى". وكان خطيب جمعة الناصرية ناشد المسؤولين وقادة المجتمع بالوقوف في وجه سوق الربا في المحافظة، وقال ان "ما يمر به البلد اليوم من تدهور في الاخلاق والاقتصاد كان نتيجة لابتعاد المجتمع عن خلق الاسلام ومبادئه فمعاملاتنا الاقتصادية مبنية على الربا وعلى الآجل الذي يهدم البيوت ويهتك الأعراض ويفتك في جسدنا بعد أن حطم الكثير من الأسر"، مبينا أن ما يجري هو "نمط من انماط الربا".مشددا على ان تلك المعاملات على المستوى الاقتصادي هي "لف ودوران على الربا، كما هو الحال في البيع بالآجل الذي يوميا يهدم بيتا أو اسرة ويحول إنساناً الى مشرد، فتجد ان محله او تجارته محصورة بمبالغ لا تتجاوز ثلاثين او أربعين مليوناً واذا في الصباح تجده مطلوبا بخمسمائة مليون دينار".واصفا اصحاب المعاملات الربوية بأنهم يهدمون البيوت تحت اسم بنائها ومساعدة الناس.
|
|