قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الاستحقاق الانتخابي القادم في العراق.. خطوات نحو التكامل
داود نادر نوشي
تبعدنا أسابيع قليلة عن الاستحقاق الانتخابي البرلماني القادم، والتي بدأت علامات ظهوره بادية منذ الآن، من خلال الحراك السياسي الحامي الوطيس وتشكيل الائتلافات السياسية وتهيئة البرامج الانتخابية وتوفير الفضاء الواسع للتعبير عن أهداف وشعارات تلك الكيانات ، والشيء المهم والايجابي في كل هذا الحراك السياسي التنافسي هو الخروج من ثوب الطائفية والقومية والدخول في عباءة الوطن والوطنية ،وهذا بحد ذاته انتصار كبير للمكونات السياسية الفاعلة والتي قدمت التضحيات في سبيل هذا الهدف، والوصول إلى حالة التكامل في المشروع السياسي.
ومما لاشك فيه أن السنوات الستة الماضية من عمر العملية السياسية في العراق، بعد سقوط النظام البائد، ليست بالمدة الكافية التي نستطيع من خلالها أن نحكم على نجاح أو فشل التجربة العراقية الجديدة، وذلك لأسباب ومبررات كثيرة قد تجعل من أي بلد في العالم يقف عاجزا عن الوصول إلى أي مرحلة يمكن من خلالها أن يطلق تعبير المصطلح أو التجربة السياسية الناجحة وفق هذه الظروف التي أحاطت بالعراق، ولا يمكن لنا كعراقيين إن نضع تجربة السنوات الستة الماضية كمعيار حقيقي وواضح لقياس أدوات الفشل والنجاح أو نجعل منها الرؤية النهائية في مدى التكامل الذي نطمح من خلاله أن نصل بالعملية السياسية إلى بر الأمان، على الرغم من التجارب الكثيرة في ممارسة الديمقراطية، من خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية، وكذلك التعددية السياسية وحرية التعبير والإعلام الحر، إلى جانب وجود الأحزاب والكيانات السياسية العاملة في الساحة، كل هذا لم يصل بنا إلى التكامل السياسي والاجتماعي، ولن نستطيع اجتياز مرحلة الوعي السياسي الكامل أو حتى ولوج الثقافة السياسية التي ناضل من اجلها الكثير من المكونات السياسية العراقية منذ 35 سنة.
وهذا التباطؤ لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة عجز السياسيين الوطنيين والمخلصين، وإنما كان نتيجة ظروف وملابسات كثيرة إحاطة بالعملية السياسية وأرادت لها أن لاتتقدم، ومنها الوضع الأمني والذي كان نتيجة تخطيط منظم ومبرمج قادته جهات دولية إقليمية، تم تنفيذه بواسطة التحالف ألبعثي التكفيري مع عصابات القاعدة وفلول الإرهاب، ووجد في داخل العراق الدعم والمساندة الكاملة والحاضنات السياسية والترويج بواسطة وسائل إعلام خانعة وتابعة لأعداء العراق، يضاف لهذا الدعم والتخطيط مباركة بعض القوى المحسوبة على العراق من السياسيين المفلسين الذين تربوا في أحضان النظام البائد، والحالمين بعودة البعث، وقد توجهت جميع القوى المعادية للعراق في الداخل والخارج من اجل إسقاط العملية السياسية وما تفجيرات الأربعاء والأحد الدامي الإرهابية ألا حلقة من سلسلة التخطيط الموجهة للعراق ..وكاد لهذا المخطط لو كتب له النجاح لاسمح الله أن يجعل من العراق واحة للقتل والتهجير والعودة إلى الوراء، إلى زمن المعادلة السابقة ولكن بلون جديد ومسمى آخر .
ولا ننسى أيضا إن من أسباب عدم التكامل في العملية السياسية هي المحاصصة الطائفية أو الديمقراطية التوافقية والتي هي ضياع حق الناخب العراقي في ما اختار وهدم لمعنى ومحتوى الديمقراطية الحقيقية، وكانت وما تزال عقبة رئيسة في تقدم ورقي البلد، وإما المبررات التي وضعت لجعل المحاصصة هي المنقذ والوسيلة للخروج من النفق فقد أخطا أصحابها بحيث كانت وبالا على العراق والعراقيين، وحتى الثقافة الانتخابية للناخب العراقي لم تكن بالمستوى الذي يؤهله لأن يختار الاختيار الصحيح بعيدا عن النعرة الطائفية والفئوية الضيقة، ومن ثم كانت الضبابية في التوجه والعشوائية في اختيار الأصلح .
واليوم ونحن على أبواب الانتخابات البرلمانية لابد لنا من رسم الخارطة السياسية للعراق بما يتلاءم مع المكتسبات الجديدة التي تحققت ،لاسيما ونحن بحاجة إلى دولة عصرية تندرج تحت طياتها صيانة الحقوق والحريات في جو من الاستقرار السياسي والأمني، وهذا لن يكون إذا ما رجعنا إلى المربع الأول في العملية السياسية، وابتعدنا عن الأسس الصحيحة للديمقراطية وهي الرجوع إلى صناديق الاقتراع وهو الفيصل الرئيسي في فض جميع النزاعات، والغلبة فيها لمن يحصد أكثر الأصوات وهو الضمان الأكيد لمبدأ الأكثرية السياسية هي الحاكمة، وان نؤسس لمبدأ المعارضة السلمية في داخل البرلمان وحكومة الظل، لا معارضة القتل والعنف والإرهاب .ولا نجعل من فنادق الخمسة نجوم في العواصم العربية خنادق للهجوم والتحريض والتشهير، وتنفيذ أجندات إقليمية الهدف منها القضاء على التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، واستمرار البعض من السياسيين على هذا المنوال لايمكن تفسيره ألا لهذا الغرض .. لاسيما ونحن في بلد ضمن للكل ومن خلال الدستور أن يمارس السياسة سواء أكان في السلطة أم خارجها بكل حرية وشفافية وان يكون معارضا بالمعنى الحقيقي للمعارضة السياسية الحضارية، وليست المعارضة التي يتبناها أصحاب الفكر التكفيري .
والخطوة الأخرى التي ننتظرها في عملية التكامل هي عملية الاستقرار السياسي وهو الأساس في نمو وتقدم الدولة العراقية، وشعور المواطن بالأمن وغياب القلق والترقب، واستمرار التمنية في كل مجالاتها وهذه هي الشروط الموضوعية الواجب تنفيذها، وان يغيب عن ذهن السياسي العراقي ذكر المصطلح الطائفي والعرقي في تناوله للأمور السياسية، ونحن كعراقيين نفخر بكوننا ننتمي لهذه الطائفة أو تلك القومية ولكن هذه التسميات في المجال السياسي لاتأتي لنا بالتكامل الذي نبحث عنه وننشده بل إن التكامل هو الذي يأتي مع الاستقرار والنمو والبناء .والانتخابات القادمة فرصة كبيرة ومناسبة لتحقيق ذلك الهدف وستكون الخطوة المهمة في بناء العراق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا .