من المواقف الخالدة
العلماء والدفاع عن كرامة الأمة
|
*إعداد / سراج الدين محمد
سيسجل التاريخ مواقف الأبطال، وستذكرهم الأجيال، ويعلوا شأنهم بين البشر، لأنهم جعلوا أنفسهم في خدمة الأمة وطموحاتها وكرامتها، وكرسوا حياتهم في سبيل المثل والقيم، ولمـّا نتصفح التاريخ سنقرأ المزيد من القصص المعبرة لأولئك الأبطال الذين خلّد الله ذكرهم في السماء، فخلدوا في الأرض وهم على الرغم من إندثار أجسادهم ورحيلهم عن العالم الأرضي إلا إن ذكرهم في الخالدين، ومنهم قصة هذا العالم الجليل.
لما إستولى الملك الإيراني نادر شاه على مقدرات العراق، ذهب إلى مدينة النجف الأشرف، فزاره العلماء رهبة أو رغبة ما عدا واحد منهم لم يخرج إليه.
فأمر الملك وزيره أن يذهب إليه، فإذا كان سبب تلكئه في المجئ إلى الملك هومعارضته له فإنه سيأمر بهدم داره واعدامه وأسر عائلته.
ذهب الوزير إلى العالم وأخبره بالأمر، ولكن العالم أبى المجيء إلى الملك وقال: فليفعل ما يشاء، وعندما عاد الوزير وأخبر الملك بما قاله العالم، ثار الملك غضباً فقرر أن ينفذ تهديده.
حاول الوزير تخفيف الأمر لإصلاحه بالتي هي أحسن فقال للشاه: إنه عالم واحد فقط والحال أن الذين زاروك ليسوا قلّة، فسكن غيظ الملك.
وفي اليوم التالي قرر الملك نادر شاه وبشكل مفاجئ زيارة ذلك العالم من دون رفقة أحد سوى الوزير!
دخلا عليه وقد وجداه في بيت بسيط جداً، وهو جالس في حجرة بالية، فبادره الملك بالسؤال: هل لك حاجة أقضيتها لك؟
فأجاب العالم: لا أريد منك إلا حاجة واحدة، وهي أن لاتظلم الناس!
زاد إعجاب الملك بهذا العالم، فقام وخرج من البيت وهو يمشي القهقري!
يقول الوزير: إستغربت من طريقة خروج الملك فسألته عن سبب تغير حاله تجاه هذا العالم بعدما كان غاضباً عليه؟
قال الملك: لقد رأيت في المنام أن هذا العالم كان جالساً مع الإمام علي عليه السلام، (نقلاً عن كتاب مائة قصة).
كان هذا العالم أغلى ثمناً وقيمةً من الآخرين، وكان بمقدوره أن يساوم الملك على القيمة التي يجب أن يدفعها حتى يرضى عنه، مثلما يفعل الكثير من المعارضين السياسيين الذين سرعان ما يتخلون عن معارضاتهم بعد أن يقبضوا ثمن سكوتهم. وكان الملك على إستعداد تام لأن يدفع ثمن هذا العالم حتى وإن كان كبيراً، وكان على إستعداد أن يعرض عليه منصباً حكومياً أو غير ذلك من المزايا والهدايا.
ولو كان العالم قد طلب من الملك أن يوفر له منزلاً فخماً وأثاثاً يليق بالمنزل، وأن يوفر له خدمات أخرى، لمنحه الملك ما يرغب وما تشتهي نفسه، لكن مطالبه اقتصرت على مطالب الناس، والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم.
بمثل هذا العالم يستطيع الناس أن يعيشوا بأمان وسلام، وأن يرفلوا بالعيش الكريم من دون التعرض لظلم الحكام وطغيانهم، لأنهم وجدوا من يدافع عن حقوقهم، وجدوا من يعرض حياته للخطر في سبيل أن تحيا أمته بحرية وكرامة.
أما إذا كان العالم قانعاً وساكتاً، فأن الحاكم سيجد الطريق أمامه معبداً في سبيل ظلم الناس، وهدر كرامتهم وسفك دمائهم، لأنه لا يجد من يقف بوجهه ويطلب منه أن يتوقف عن الجرائم التي يرتكبها.
|
|