السعودية.. ومعركة الجمل القادمة
|
د. مضّاوي الرشيد (*)
بعد ايام قليلة جدا دخلت السعودية على خط ثورة البحرين خاصة وان لهيب التغيير اصبح على بعد بضعة كيلومترات من منابع النفط وشريان الحياة السعودية، وان كانت السعودية ونظامها قد حاولت الوقوف في وجه التغيير في مصر وتونس بالمال والمراوغة خلف الكواليس ومكالمات هاتفية واتصالات استخباراتية فاشلة، الا انها اليوم تقف امام المشهد البحريني وقد وضعت ميليشياتها المتعددة تحت تصرف صديقها في البحرين. وبينما كان جسر العبور المشهور يشهد قوافل سعودية تبحث عن العربدة والمجون في المنامة وتعود فاقدة للوعي بسبب الانغماس في ملذات توفرها دول الجوار من باب حسن الضيافة، نجد هذا الجسر اليوم يحمل جحافل المجاهدين وكأنهم في معركة الجمل الجديدة التي قصمت ظهر الأمة وشتتت وحدتها، وها هي دولة الاسلام تجدد نشاطها وتتدخل في قضايا سياسية يجب ان تحسم في البحرين وليس في الرياض.
يلعب النظام السعودي اخطر لعبة في تاريخ المسلمين والعرب اذ انه دخل المعركة الطائفية بكل ثقله وبعد ان استنفد كل امكانياته في اجهاض الثورتين العربيتين في تونس ومصر ها هو اليوم يلجأ الى لعبته القديمة. يريد النظام السعودي ان تأخذ ثورة البحرين منحى طائفيا بحتا حتى يجند لها قبائل وعشائر مشحونة ضاق بها الزمان والمكان وهي تتربص فرصة جهاد جديدة خارج الحدود بعد ان منعها ولي امرها من ممارسة هذه الفريضة داخل الحدود، وبالفعل لقد بدأت تراتيل التكفير والطائفية البغيضة تبرز بوضوح لتطرب مسامع النظام السعودي بلحنها المعروف الذي مزق الجزيرة العربية في بداية القرن العشرين وحولها الى فريقين واحد مؤمن تحت امرة ولي الامر وآخر كافر يحارب ويستباح دمه وتقتحم مساجده ويقتل ابناؤه في عقر دارهم. ان عبور قوات سعودية الى البحرين ووصول الميليشيا المؤتمرة بأمر النظام هذا بالاضافة الى تفعيل الخطاب الطائفي من على المنابر وعلى شفاه البلطجية الدينية وصحوات ثقافية وهي ابعد عن الثقافة من الجمل.هذه الخطوة الحمقاء ودخول النظام السعودي على الخط بين حاكم البحرين وشعبه ما هي الا ضرب من ضروب الجنون الذي يصيب حالة الطيش والتخبط وهو من دلالات الشلل الذي تنغمس به القيادة السعودية الحالية وستكون تداعيات الحدث هذا من اخطر ما يمكن ان نتنبأ به.
تحتاج السعودية اكثر من اي وقت مضى لأن تضمن ولاء طيف كبير من شعبها وخاصة الجحافل الدينية التي بدأت تتململ من سياسة الملك عبدالله المشلولة وقبضة وزير داخليته المميتة، وخلال اسبوع واحد خرج حزب الامة من رحم السلفية في محاولة تصحيحية واعادة صياغة النظام السياسي على اسس يعتقد القائمون على الحزب ان النظام السعودي اختطفها وحرف مسيرتها. لقد شكك هؤلاء بالملك وطالبوا بإشراك الامة في تقرير مصيرها، وهذا الخطاب الذي لا يمكن وصفه بالخطاب الخارجي المستورد ليسهل قتله ومحاربته تماما كما كان النظام يفعل عندما يواجه دعوات للتغيير السياسي هو ما يقلق النظام الهرم. وبنفس الوقت خرجت جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية ذات المشروع المتصل بالحزب الجديد لتهدد وتتوعد النظام وتضعه امام خيارين إما ملكية دستورية واما جمهورية اسلامية. وقد اعتاد النظام السعودي ان يستبعد مثل هذه المصطلحات ويزدري من يفعلها في الداخل السعودي اذ اننا لا ندين بدين الجمهوريات والتي لا تصلح لأهل السنة والجماعة !، بل هي انتاج ملالي طهران حسب الخطاب الرسمي السعودي، اذ ليس لاهل السنة والجماعة سوى حكم تعسفي ملكي وراثي يعزل الامة عن صنع القرار وينهب ثروات البلاد ويعيش على مبدأ فرق تسد حيث يفرق بين ابناء القبيلة الواحدة ويقسم المجتمع الى مثقف شارب ومثقف لحية وحضري يصلح لادارة الدولة وبدوي يحنط تراثه وقصيدته في متاحف الدولة ومهرجاناتها، اما نساؤه فساعد ايمن للنظام في حربه على اعدائه من رجل دين متطرف مرورا بأب متمرد او شاب يطمح الى مستقبل افضل، فنساؤنا اليوم هم عيون وآذان النظام هذا بالاضافة الى شريحة نكاح متجددة حسب متطلبات سوق الجمال. اما مناطقنا فتزداد الهوة بينها والتباعد لان منها ما هو معدوم الاصل من مخلفات الحجاج ومنها بؤر المجد والدم الازرق واخرى تسكنها القرود على الشجر او كفار لم يهتدوا بنور النظام بعد. فهذا هو نصيب اهل السنة والجماعة في عصر النظام السعودي الفئوي الذي هو اليوم بصدد تبديد النقمة والتململ والغضب في الداخل السعودي عن طريق معركة جمل جديدة علها تحشد خلفها اطيافا تتوق الى الجهاد في عصر التخاذل السعودي، وبالفعل لقد نسي هؤلاء وخاصة اصحاب النفوس القلقة معاركهم مع نظام الوراثة المتأسلم ليولوا وجوههم شرقا علهم بذلك يبنون رصيدا جديدا في الجنة.
وان استمر النظام في مشروع معركة الجمل هذه نصرة للنظام البحريني لا نستبعد ان تنمي السعودية خطابها الطائفي القديم المتجدد، وسيخرج علينا ابو مصعب الذباح بجنسية جديدة سعودية هذه المرة وستغرق منطقة الجزيرة العربية من المدينة المنورة الى المنامة ومن عرعر الى نجران في متاهات حرب اهلية طائفية هدفها الاول والاخير تحصين النظام السعودي من رياح الثورة القادمة. نعلم علم اليقين ان النظام السعودي يمارس السياسية على الفطرة القديمة واساليبها فلن يتعلم دروساً جديدة فجأة ولن يعتبر من عبر العراق خلال السنوات الماضية او حربه الجنوبية مع الحوثيين في اليمن. هو صاحب ثقافة واحدة ترفض ان تواكب العصر او تتعلم من تجارب سابقة فكما مرّ بمرحلة عصيبة كالتي يمر بها حالياً نراه يلجأ الى مؤسساته القديمة وتسابيحه المعروفة والتي اثبتت انها حيلة انطلت على شعب الجزيرة العربية في السابق وهو يأمل ان تمر عليهم اليوم. ومع الأسف ستنجح خطته الجهنمية هذه وسيستجيب له الحرس القديم والجديد، ومن اسباب نجاحه انه حارب اي فكر يزلزل الخطاب الطائفي التكفيري العنيف وهمس الخطاب الاصلاحي السلمي فبقي خيار العنف ضد الآخر هو المطروح على الساحة دون منافسة او تهميش. وقد حارب اول من حارب اولئك الذين خرجوا من رحم ايديولوجيته القديمة في محاولة لتطويرها وتعديل انحراف مسيرتها تحت مظلة النظام التسلطي. لم يقبل النظام بأي حركة تصحيحية لانه كنظام ستاليني يرفض التجديد والتصحيح بل مستعد لان يستمر في قبضته على الفكر والممارسة حتى يستتب له الأمر.لا يهمه ان تخرج افكار قومية ناصرية بعثية اشتراكية او حتى شيوعية تماما كما حدث في الماضي، ولكنه يرتعد من حركات تصحيحية تخرج من تحت عباءة فكره وتسحب البساط من تحت قدميه مستعينة بابجديات هو يعرفها تماماً ولكنها تفسرها بطريقة تختلف عن تفسيراته ومنطلقاته.
فمصطلح الامة الحاضر الغائب في القاموس السعودي يأخذ معناى آخر في قاموس سياسي جديد حيث انها ليست شعاراً بل هي تفعيل لكتلة بشرية تطالب باشراكها في صنع القرار والسياسة ونعمة النفط، ليست بيت مال ينهب ويسرق حسب المزاج بل هي ثروة تخضع لمعادلات المحاسبة والشفافية والعدالة الاجتماعية واهل الحل والعقد، ليست مجموعة امراء وعلماء حسب الطلب بل نخبة تدير شؤون الاوطان تختارها الامة وأهل الشوكة ليسوا ضيوفاً يلعقون حساء السلطان بملعقة فضية بل قوة فعالة فاعلة في مجتمع يأبى العبودية والتبعية والاهانة والتهميش. والسلطان ليس بإمعة او بل هو صاحب سيف وقلم. كل هذا يرعب النظام ناهيك عن تذمر وتمرد على انهيار معطيات الحياة اليومية من بطالة وسيول وفقر وتأجيل لاحلام بعيش كريم وحياة اسرية مستقرة. في مواجهة ثورات قادمة قفز النظام السعودي على جسر عبور ليشارك في اشعال معركة قديمة متجددة ندعو عقلاء الأمة على الجانبين ان يفوتوا فرصة حمام الدم القادم ويغلقوا ابواب الفتنة التي اختص باشعال نارها نظام كان وما زال نقمة على العرب من محيطهم الى خليجهم.
(*) كاتبة ومحاضرة سعودية في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بكلية كينغز، جامعة لندن.
|
|