تظاهرات البحرين: شيعة.. يستحقّون القتل؟!
|
نسرين عزالدين (*)
يمكن تشبيه محاولة إلصاق الصّبغة "الشيعية" بالتظاهرات التي تحصل في البحرين كمن يفسر الماء بالماء. فلو خرجت البحرين عن بكرة أبيها للتظاهر، فإن الصبغة ستبقى شيعية لأنهم وببساطة يشكلون الغالبية العظمى من سكان البلاد. الأمر في توصيفه بهذه الطريقة يشبه ثورتي مصر وتونس اللتين صنفتا بالثورة الـ "شبابية" على الرغم من مشاركة عدد كبير من "الشيبة" فيها، لكن وبما ان التصنيف عادة يستند الى الغالبية الساحقة المشاركة فقد استحقتا تصنيف " شبابية". الحالة نفسها تنطبق على البحرين، فلو شارك أهل السنة جميعهم بالتظاهرات فستبقى مصنفة بأنها "شيعية " كونهم أكثرية. لا نسبة رسمية (المقصود بالرسمية هنا الدقيقة والواقعية) معتمدة لعدد الشيعة في البحرين، وان كانت نسبة الـ70% من مجموع السكان هي الاكتر تداولاً. يذكر ان بعض المصادر ترتفع بهذه النسبة الى 80%. أما الرقم الحقيقي بعد حملات التجنيس السياسي خلال السنوات الفائتة، فما زال غير دقيق. هل تمكنت الحكومة من خلال التجنيس من تغيير التركيبة الديموغرافية للبلاد، أو أنّ الشيعة ما زالوا الأكثرية؟.. لا جواب واضح بما أن كل جهة وكل تقرير يطرح أرقامًا ونسبًا مختلفة عن الاخرى.
التظاهرات في البحرين بقيت يتيمة فلا كاميرات ترصد المعتصمين في ميدان اللؤلؤة ولا شاشات تقسم إلى نصفين لنقل الأحداث من الاستديو ومن مكان الحدث، فالإعتبارات السياسية للقنوات العربية ما زالت المسيطرة على التغطية. لكن الدماء التي أسيلت فجرًا تحت جنح الظلام والدبابات التي حُشدت، والقنابل المسيلة للدموع التي رميت، والرصاص المطاطي والحي والمحرم دوليًا، جميعها قد أرغمت الإعلام على التغطية. التغطية ما زالت دون التوقعات، فالقنوات العربية لم تقرّر بعد أين ستنصب كاميراتها، وأي صوت ستسمع وإن كانت (بعضها) قد فتحت الهواء "بخجل" للطرفين. ومع ذلك، لم تنقطع الأخبار، وخرجت وسائل الاعلام بصور عما حصل، تحت جنح الظلام، وأن الجيش يهاجم المعتصمين في ميدان اللؤلؤة ويقتل بعضًا من المتظاهرين. أضف إلى أنّ عددًا من المستشفيات ترفض إستقبال الجرحى ليصار بعدها الى تحويلهم نحو مستشفيين خاصين. قليل مما يحدث نشر هنا وهناك، أما تفاصيل ما حصل ويحصل فعلاً فما زالت سرًا لا يبدو أن وسائل الإعلام العربية في عجلة من أمرها لكشفه !.
المتظاهرون في ميدان اللؤلؤة ليسوا شيعة فقط، لكن الصورة التي يراد إيصالها للعالم هي أنهم مجموعة شيعية تهدد الأمن والإستقرار!؟. صورة بدت واضحة حين قال وزير الخارجية البحرينية أنهم جنبوا البلاد مخاطر الإنزلاق الى الطائفية من خلال قيام الجيش "بفض الإعتصام" !؟. يتحدث عدد كبير من البحرينيين الشيعة عن التمييز الممارس ضدهم في بلادهم، وقد خرجت تقارير عديدة لجهات حقوقية - بحرينية وغير بحرينية- تتحدث عن هذا الأمر. في المقابل خرجت تقارير اخرى وشخصيات سياسية موالية تنفي هذا الأمر. حدث يتكرر مع صدور هذه التقارير، أرقام تطرح حول عدد وكمّ ونوع المناصب التي يشغلها الشيعة، وبيانات حكومية تنفي. الواقع هو على هذا الشكل، مواطن بحريني يطالب بالإصلاح، أيهم فعلاً الى أي طائفة ينتمي؟ أكثرية في البلاد تطالب بمشاركة أكبر في صنع القرار.. هل من ضرورة للسؤال عن الطائفة هنا ؟ . على ما يبدو وبفضل السياسة الطائفية وكره الآخر بناءً على طائفته التي نشرت خلال الأعوام الفائتة في العالم العربي والتي جعلت الإنتماء الطائفي يطغى على الهوية الوطنية وعلى الحسين الوطني والانساني، فإنّ ردود الفعل على أحداث البحرين جاءت كالتالي: شيعة، يحتجون، قتلوا.. يستحقون!!!. خلي ايران تنفعهم !؟. يريد الشيعة السيطرة على الخليج !؟.
لا.. هم ليسوا "شيعة " بالدرجة الاولى، هم مواطنون بحرينيون صودف أن اغلبيتهم من الشيعة. هم مواطنون بحرينيون يطالبون بالحد الأدنى من حقوقهم، والحكومة التي هاجمت المعتصمين في ميدان اللؤلؤة صودف أنها سنية، حالها حال كل حكومات المنطقة. وهذا هو مغزى الحدث. هذا هو مغزى الحدث الذي على الجميع عدم التغاضي عنه والتنكر له وتجاهله وكأنه لم يحدث. مقيتة هي الردود المتشفية بمقتل بحرينيين لمجرد أنهم شيعة، ومؤسف أن يكون المواطن العربي قد تحول الى كتلة من التعصب الطائفي بحيث يصنف الاخر وفق طائفته ما يجعله يتقبل الظلم ولو لم يكن منطقيًا. ولو سرنا وفق المنطق الطائفي المقيت وقلنا أنهم شيعة وجردناهم من هويتهم وحسهم الوطني، لو قلنا أن "أكثرية" شيعية في البحرين تطالب بالإصلاح وبمشاركة "أقلية" سنية في الحكم بشكل أكبر؟ . أين الخطيئة في هذا ولو كان المنطق طائفيًا بحتًا!
تعرف الديمقراطية بأنها حكم الشعب لنفسه وهي شكل من أشكال الحكم السياسي القائم على التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثرية. هذا هو التعريف ولا داعٍ للدخول في تفاصيل التطبيق في العالم العربي بشكل عام وفي البحرين بشكل خاص لإظهار التناقض بين "الأساس" وبين "القولبة".وبين المفاهيم الاساسية والتطبيق كارثة حلت على العالم العربي. كارثة رفض الشعبين التونسي والمصري تحمل عواقبها بعد الان... فكانت ثورتين من أجمل الثورات.
اما في البحرين، فإن اصحاب المطالب يقتلون وجزء من الشارع العربي يصنفهم وفق طائفتهم... فتحول التأييد المطلق لمنطق المطالبة بالحقوق بين ليلة وضحاها الى "شماتة" بمقتل مواطنيين عرب... لأنهم شيعة !. أيستحق متظاهرو ميدان اللؤلؤة القتل لمجرد ان أكثرية المشاركين هم من الشيعة !؟.
(*) كاتبة وصحفية لبنانية
|
|