قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

البطانة الفاسدة تُسقط الحُكام والحكومات!
مِمّا جاءَ في عَهد الأمام عليّ عليه السلام، الى مالك الأشتر رضوان الله عليه، حينَ ولّاه حُكم مصر، قوله: " وَ لْيَكُنْ أَحَبُ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي اَلْحَقِّ وَ أَعَمُّهَا فِي اَلْعَدْلِ وَ ‏أَجْمَعُهَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ فَإِنَّ سُخْطَ اَلْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى اَلْخَاصَّةِ وَ ‏إِنَّ سُخْطَ اَلْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رِضَى اَلْعَامَّةِ ‏.وَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ اَلرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى اَلْوَالِي مَئُونَةً فِي اَلرَّخَاءِ وَ أَقَلَّ ‏مَعُونَةً لَهُ فِي اَلْبَلاَءِ وَ أَكْرَهَ لِلْإِنْصَافِ وَ أَسْأَلَ بِالْإِلْحَافِ وَ أَقَلَّ شُكْراً ‏عِنْدَ اَلْإِعْطَاءِ وَ أَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ اَلْمَنْعِ وَ أَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ اَلدَّهْرِ ‏مِنْ أَهْلِ اَلْخَاصَّةِ ‏" ويقول عليه السلام: "ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِي (الحاكم والمسؤول) خَاصَّةً وَ بِطَانَةً(مستشارين ومعاونين وحاشية) فِيهِمُ اِسْتِئْثَارٌ وَ تَطَاوُلٌ وَ قِلَّةُ إِنْصَافٍ ‏فِي مُعَامَلَةٍ فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ اَلْأَحْوَالِ ‏وَ لاَ تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِيَتِكَ وَ حَامَّتِكَ قَطِيعَةً وَ لاَ يَطْمَعَنَّ مِنْكَ ‏فِي اِعْتِقَادِ عُقْدَةٍ تَضُرُّ بِمَنْ يَلِيهَا مِنَ اَلنَّاسِ فِي شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ ‏مُشْتَرَكٍ يَحْمِلُونَ مَئُونَتَهُ عَلَى غَيْرِهِمْ فَيَكُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ وَ ‏عَيْبُهُ عَلَيْكَ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ "‏
عندما تثور الشعوب تسقط الحكومات والانظمة بل والدساتير، وتنفرط أواصر علاقة الشعب بالحاكم مهما قويت، ويصبح الشارع هو من يقود ومن يقرر في الوقت نفسه وهنا تكمن الخطورة، وعلى الحكام قبل ذلك النظر في غرف قصورهم ومكاتبهم لأنها بما تضم من مستشارين أعظم خطراً عليهم من الشارع، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بكرامة الشعوب.
من أسقط بن يزيد في تونس؟ ومن أجبر اللاّ مبارك على التنحي من الرئاسة بعد ثلاثين عاما من حكم مصر؟ ومن يزلزل عروش بعض الحكام اليوم، و في المرحلة المقبلة؟ الإجابة المنطقية إنها ثورة الشعوب التي وصلت إلى قناعة تامة أنه لم يعد لديها ما تخسره، فخرجت إلى الشارع لا تهاب الموت بعد أن تساوى مع الحياة بالنسبة لها.
الظلم، امتهان الكرامات، الفساد ، البطالة، الإقصاء، الفقر، غياب العدالة الاجتماعية وغيرها، أسباب رئيسة كانت وراء الحراك الشعبي الذي أسقط تلك الأنظمة، وسيُسقط أخرى قريباً... حراك توافرت عوامل عدة لنجاحه، لعل أهمها البطانة الفاسدة التي تحيط بتلك الأنظمة على مدى سنوات حكمها. فمتى ما (غُيّب) الحاكم عن نبض الشارع او ( غَيّب) هو نفسه، وحرص المحيطون به على إيصال الصورة المخملية له، وحجب ما عداها من الصور تحت ذريعة "لاتشكك في اخلاص وكفاءة فخامته" و" لاتجرح شعور وكرامة دولته او سيادته" و"ما تزعّلش الريس" و "لا تضايق طويل العمر"، فإن معادلة علاقة الحاكم بالمحكوم ستختل وسيكون مصيرها الانفجار يوما ما، وقضية التوقيت ستختلف من بلد إلى آخر.
وبخصوص البطانة التي يتخذها الحكام والمسؤولون، ايضا ، جاء في ذات العهد قوله الامام عليه السلام: "وَ لاَ تُدْخِلَنَّ فِي مَشْوَرَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ اَلْفَضْلِ وَ يَعِدُكَ اَلْفَقْرَ وَ ‏لاَ جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ اَلْأُمُورِ وَ لاَ حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ اَلشَّرَهَ بِالْجَوْرِ"، ويدعوه في هذا السياق الى عدم اتخاذ بِطانة سوء من وزراء ومستشارين من المتزلفين والآثمين والظالمين ويقول له " وَ أَنْتَ ‏وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ اَلْخَلَفِ مِمَّنْ لَهُ مِثْلُ آرَائِهِمْ وَ نَفَاذِهِمْ .. أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَ أَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً وَ أَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وَ ‏أَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وَ حَفَلاَتِكَ ثُمَّ لْيَكُنْ ‏آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ اَلْحَقِّ لَكَ وَ أَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ ‏مِنْكَ مِمَّا كَرِهَ اَللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ ‏. وَ الْصَقْ بِأَهْلِ اَلْوَرَعِ وَ اَلصِّدْقِ ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَنْ لاَ يُطْرُوكَ وَ لاَ ‏يُبَجِّحُوكَ بِبَاطِلٍ لَمْ تَفْعَلْهُ فَإِنَّ كَثْرَةَ اَلْإِطْرَاءِ تُحْدِثُ اَلزَّهْوَ وَ تُدْنِي مِنَ ‏اَلْعِزَّةِ ‏. وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ اَلْعُلَمَاءِ وَ مُثَافَتَةَ اَلْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ ‏أَمْرُ بِلاَدِكَ وَ إِقَامَةِ مَا اِسْتَقَامَ بِهِ اَلنَّاسُ قَبْلَكَ ‏".
أن تصوير المستشارين للحكام بأن مطالبة الشعوب هي من باب "التسييس والتخريب" او "الترف ربما" والنقد البناء بـ"التطاول" ومراقبة أعمال الحكومة و الوزراء بـ" الخروج على القانون والتمرد على النظام" والمطالبة بالتوزيع العادل للثروة كفرٌ بالنعمة، هي في واقع الأمر معضلات حقيقية بين الراعي والرعية، ومشاريع حقول ألغام في علاقة الأنظمة بشعوبها قد تنفجر في أي وقت، حينها لن يفيد الندم. صَدّقوا .. لا يوجد نظام في مأمن من موجة التغيير التي تجتاحنا من محيطنا إلى خليجنا، فرغبات الشعوب موجودة وإن كانت متفاوتة، فإن كان الحصول على وظيفة ومسكن او كهرباء وخدمات هو سقف المطالب في دولة ما، فإن حفظ الكرامة والمساهمة الفاعلة في اتخاذ القرار هما مطلبان ملحان بالنسبة إلى كل الشعوب حتى لو كانت تعيش في بحبوحة ، وهي في نهاية الأمر مطالب يسعى كل شعب إلى تحقيقها قد يصل مداها إلى إسقاط نظام حكم، وقد يقف عند حد تظاهرات ، او إقالة حكومة حسب ظروف كل بلد. كم (أحمد عز) الذي كان من افسد بطانة مبارك وحزبه في مصر ، يحتاج الحكام ليعلموا أن بطانتهم هي احد اسباب زوال أنظمتهم، وكم ليلى طرابلسي( زوجة بن يزيد في تونس) نحتاج لتسكن في قصور الحكام لنكتشف أن "البسوس"ما زالت تعيش بين ظهرانينا، وكم مستشار منافق يشوه الحقائق ويكتب التقارير المغلوطة، ينفضح أمره، ليدركوا أنهم مغيبون عن نبض شعوبهم. ليس هناك أخطر من تزاوج المال والسلطة على مستقبل الشعوب، ولا يوجد خطر على استقرار الأنظمة كخطر فساد البطانة والمستشارين الباحثين عن مصالحهم والمستفيدين من قربهم من أصحاب القرار، وعلى أي نظام حكم أياً كانت صيغته ومسماه أن يأخذ زمام المبادرة ويتلمس مطالب شعبه ويسعى إلى تحقيقها فورا دون انتظار أي تحرك شعبي قد تصعب السيطرة عليه لاحقاً، والعاقل من اتعظ بغيره!