الدعاء في القرآن الكريم
طلب الذرية على لسان الأنبياء
|
*صادق الحسيني
أدعية القرآن الكريم تمثل إحدى معارف القرآن الكريم وقيمه الرسالية، فلنجعلها زاداً لنا في دعائنا و مخاطبتنا لرب العزة والجلال في صلاتنا وسائر عبادتنا، بل في كل موقف يمر علينا في حياتنا، ولا سيما أن هذه الأدعية الكريمة من تعليم الرب سبحانه لعباده، فهي تحوي معارف إلهية كبرى ومضامين عالية.
لكن؛ كيف ندعو ليُستجاب لنا ؟
هذا ما علمه الخالق عز وجل عباده في خطاباته القرآنية، لا على النحو النظري فقط، كما في قوله سبحانه: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر /60)، وإنما على النحو العملي أيضاً، وذلك من خلال ما ذكره في كتابه المجيد من أدعية أنبيائه الكرام (ع).
و من اهم الادعية التي تكررت على لسان الانبياء العظام كابراهيم و زكريا عليهم السلام هو طلب الذرية الصالحة حيث قال ربنا على لسان النبي ابراهيم (ع): "رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء" (ابراهيم /40)، و عن لسان زكريا اذ قال: "رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء" (آل عمران /38).
كثيرة هي الاسباب التي تدفع الانسان لطلب الذرية و حتى أنّه يتنازل عن اشياء كثيرة في حياته من اجل الذرية شريطة ان تكون هذه الذرية صالحة ولعلّ اهمها أنّ الانسان مهما بلغ من اسباب القوة و الشباب و الحيوية الّا أنه سيعود للضعف والحاجة كما كان بداية حياته، فمن يعمره الله ينكسه في خلقه و هذه سنته تعالى في الحياة، فاذا لا يجد من يعينه في مراحل حياته فذاك مدعاة للاحباط ونكد العيش، لذا يحتاج الانسان للذرية الصالحة لتكون له عوناً وعزاً، وكم هم الذين يرحلون عن الدنيا ولم يخلفوا ذرية، ولم يجدوا من يكون في عونهم على صروف الدهر.
ان تحديد الهوية المعنوية للمولود، وأن يكون صالحاً وليس طالحاً، تُعد أساس النية في طلب الذرية من الله تعالى، وهذا ما يعلمنا إياه الانبياء في دعائهم بهذا الخصوص، لأن الانسان – الأب- عندما يفارق الحياة يغلق ملفه بالكامل ويفتح ملف آخر لذريته ينوب عنه في كثير من اعمال البر والخير، وهكذا اعمال لا تصدر بالطبع إلا من الولد الخيّر والبار. روي ان النبي عيسى عليه السلام مرّ بقبر يعذب صاحبه ثم جاء مرة اخرى ليجده مرتفع عنه العذاب فسأل الله تعالى عن سبب ذلك فقال: ادرك له ولد صالح فأصلح طريقاً و آوى يتيماً، وهكذ رفع الله العذاب عن هذا الاب الطالح لاعمال ذريته الصالحة.
ولكن السؤال؛ هل يحتاج النبي المعصوم كابراهيم عليه السلام الى اعمال الذرية في يوم القيامة؟ في الجواب ينبغي الاشارة الى أن الانبياء و الاولياء و الصالحين في تسامي دائم و كمال لا ينقطع.. صحيح أنهم في جنان الخلد ولكن درجات الجنة لا تنتهي و يرتفع الانبياء والصالحون فيها و لذلك نحن ندعو للنبي الأكرم في كل تشهد من الصلاة لكي يرتفع درجته حيث نقول: (و تقبل شفاعته وارفع درجته) واذ كانت الكمالات الإلهية غير متناهية تبقى تسامي درجة الانبياء الى الابد.
وعليه؛ جاءت الاستجابة الإلهية لدعاء نبيه زكريا وبشكل مفاجئ وغير متوقع منه عليه السلام، وهذا ما يحكيه لنا القرآن الكريم في نفس السورة: "فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ" (آل عمران /39).
اذن فاهمية الذرية الصالحة بعد وفاة الانسان تكاد تكون اعظم من حياته، و من هنا نعرف اهمية الذرية الصالحة التي دعا لها الانبياء على علو مرتبتهم فكيف بنا نحن المعرضين للذنب في كل حين، كما لابدّ من ان تكون الذرية صالحة، اما لو كانت غير ذلك و العياذ بالله فانها ستجر الى مفاسد دنيوية و أخروية والعياذ بالله.
جديد مجلة (البصائر)
صدر العدد (45) من مجلة (البصائر) وهي المجلة الاسلامية - الفكرية التي يصدرها مركز الدراسات والبحوث الاسلامية في حوزة الامام القائم عجل الله فرجه. هذا العدد ضم ملفاً خاصاً حول تفسير (من هدى القرآن) لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله) وجاء تحت عنوان (تفسير من هدى القرآن.. إضافات منهجية وآفاق رسالة). وقد شارك في هذا الملف باحثون وأساتذة في الحوزة العلمية منهم الشيخ زكريا داوود والسيد جعفر العلوي والشيخ فيصل العوامي والشيخ علي هلال الصيود.
كما تضمن العدد دراسة اسلامية - فكرية لسماحة آية الله السيد هادي المدرسي تحت عنوان (الأمم المتحدة وضرورة الخروج من شرنقة الاقوياء، الى جانب دراسة للشيخ ناجي زوّاد تحت عنوان (البحث في الخلاص من الازمة).
ومن آراء (البصائر) جاء مقالاً تحت عنوان (التراث الاخلاقي.. مقاربة منهجية) للكاتب الشيخ حسن البلوشي.
|
|