الإحباط الشعبي وقلة الحلية لا يخدم الاستقرار..
المطلوب إصلاحات ملموسة تطمئن الناس وتكسب ثقتهم وتستوعب طاقاتهم
|
هناك حقيقة مهمة ينبغي الالتفات إليها دائماً إذا ما أردنا أن نعمل على ترسيخ الاستقرار الاجتماعي والسياسي ، وهي أن وصول الناس إلى حالة الإحباط وقلة الحيلة لا يخدم الاستقرار بأي حال من الأحوال، ومن هذا المنطلق تعمل الأنظمة السياسية ودوائر القرار في المجتمعات المتقدمة على تحفيز مجتمعاتها بشكل دائم واستنهاض همم الناس حتى يرتفع مستوى التطلعات والطموحات فينشغل المجتمع بما هو أفضل وينطلق الناس في آفاق المعرفة والإبداع على كل صعيد، ولكن هذا العمل ليس من السهل تحقيقه ما لم تتوفر رؤية سياسية تعمل على استيعاب الناس في النظام العام.
إن ميزة أي نظام سياسي ليس في وجود الإطارات والواجهات السياسية بقدر ما يكمن الامتياز في فاعلية هذه الإطارات والواجهات وقدرتها على التعبير عن نفسها بشكل صائب ومفيد ولذلك قد لا يجد المتابع فروقاً في المسميات بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة فيما يرتبط بتشكيل الأنظمة السياسية ولكن الفارق واضح في الانجاز والعمل على أرض الواقع، فقد يكون من السهل أن تتحدث عن وجود السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية في الدول المتخلفة ولكنك لن تجد لهذه السلطات حضوراً فاعلاً نتيجة للتداخل وعدم الفصل بين هذه السلطات عملياً وقد تجد دساتيراً مكتوبة وموثقة لكن من الصعب أن تجد للكثير من بنودها تطبيقاً على الصعيد العملي حيث تتعطل في محطات كثيرة خاصة عندما يرتبط الأمر بحقوق الناس، فقد تتحدث بعض المواد عن أن الناس أو "الشعب" هو مصدر السلطات أو المادة التي تقول أن لكل مواطن الحق في السكن والثروة والقرار و .. الخ، وأن كل مواطن محترم في نفسه ورأيه وهكذا ، ولكنك سوف تجد أن هذه المواد هي مجرد عناوين وعبارات لا تغني المواطن شيئاً بل وربما أن القانون الذي وضع لحماية المواطن قد يتحول بقدرة قادر إلى ضده وهذا ما يفسر الفارق الكبير بين ما وصلت إليه الدول المتقدمة وبيننا حيث أننا بقينا نراوح مكاننا.
إننا بحاجة إلى تغيير جذري في أنماط التفكير الجامدة والخروج من دائرة الخوف وخاصة خوف السلطة في بلداننا من الناس الذين لا يمكن الاستغناء عنهم أو تجاوزهم لأنهم ببساطة هم الرأسمال الحقيقي للأوطان وهم الأرضية لأية انطلاقة نحو تحقيق التنمية والنهوض الحضاري وهذا التغيير يستدعي تغييراً في السلوك السياسي والثقافي والإعلامي وبناء نظام سياسي يستطيع أن يكون قوة جاذبة ومحفزة للطاقات وليس قوة منفرة أو ضاغطة أو محبطة. إن من يتابع العملية السياسية في دولنا عموما يراها اليوم بلا أفق واضح والحقائق تتحدث عن نفسها ومن دون مبالغات أو مزايدات فمع وجود إطارات كالحكومة والبرلمان ومجالس محلية متعددة وبلدية وهيئات، ناهيك إطارات أخرى بقيت مجرد واجهات و.. التي من المفترض أنها أتت لكي تعبر عن الناس إلا أن المراقب يرى أن الانجازات -إن وجدت- لا توازي مقدار ما يصرف عليها من أموال وميزانيات ضخمة ومزايا لا حصر لها
إننا بحاجة إلى تغيير جذري في أنماط التفكير الجامدة لإن فشل الناس في التعبير والتغيير الايجابي، سواء عبروا عن أنفسهم بما هو متاح لهم ومشروع بالاحتجاج أو التنديد أو الشكوى أو من خلال دخولهم في إطارات فارغة المحتوى وفاقدة للقدرة على الانجاز ، إن هذا الفشل وهو حاصل بدرجة كبيرة مهما حاول البعض إن يغطيه أو "يجّمله" بعبارات، ولا يكمن الخوف منه كفشل مجرد، بل الخوف أن يتحول ذلك إلى إحباط يدفع الناس باتجاه عواقب غير معروفة وقد تكون غير محمودة ، بقصد او دون قصد ووعي ـ وربما بدفع واستثمار واجندة من جهات معادية كما دأب نفس بعض كبار المسؤولين في الدولة وعدد من نواب الشعب مؤخرا بالاسهاب في التأكيد عليه و التحذير منه بخصوص التظاهرات الشعبية التي كالوا لها سيلا من تهم التخوين والتشكيك ثم عادوا بإنفسهم ليمدحوها ويُشيدوا بها !؟ ـ وهو ما يستدعي النظر في مراجعة الحسابات بشكل أكثر جدية وصدقية من أجل القيام بتغييرات جذرية ملموسة تطمئن الناس وتلبي تطلعاتهم في العدالة والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم وبالتالي استيعابهم وتفعيل طاقاتهم واستمثارها بشكل اقوى وأكثر فاعلية . ولكن السؤال المطروح هنا هو: من يعلق الجرس؟. والله من وراء القصد.
|
|