حقائق وارقام لها دلالات في اربعينية الإمام الحسين (ع)
|
عادل الجبوري
فرح الهولندية وزوجها عبد الواحد عبد الحسين، والالماني غيرهالد مانكولد، والسوري القسيس معين، واخرين غيرهم، بعضهم ينتمون للديانة المسيحية وبعضهم ينتمون للديانه الايزيدية، و الى ديانات اخرى، جاءوا الى كربلاء المقدسة في ذكرى اربعينية الامام الحسين عليه السلام ليعلنوا اسلامهم، عبر بوابة سيد الشهداء واهل البيت عليهم السلام.هذه واحدة من بين صور كثيرة حفلت بها اجواء مراسيم زيارة الاربعين هذا العام، وهي صور تحمل من المعاني والدلالات مايعجز اللسان والقلم عن استكشاف مكنوناتها وابعادها المعنوية والروحية العظيمة.وهناك صور اخرى تحمل نفس المضامين والمعاني والدلالات تداخلت خطوطها والوانها لتشكل بمجموعها مشهد الولاء الحسيني العالمي –ان صح التعبير-الذي مثل العراق بؤرته وكربلاء نبضه الحي.فتوافد خمسة عشر مليون شخص على مدينة كربلاء المقدسة لاحياء اربعينية الامام الحسين عليه السلام، امر قد لايستوعبه العقل في بعض الاحيان..يمكن ان تكون الارقام المعلنة من قبل الجهات الرسمية غير دقيقة، لكنها في كل الاحوال لاتحتمل نسبة خطأ كبيرة، لان كثير من المعطيات تعزز وتؤكد الارقام المعلنة للزائرين، والتي من بينها خلو كثير من المدن في الجنوب والفرات الاوسط من ساكنيها لتوجههم الى كربلاء، وتعطيل الاسواق التجارية والدوائر الحكومية منذ اواخر الاسبوع الماضي وخلال الاسبوع الجاري بصورة شبه كاملة، فضلا عن اعلان الحكومات المحلية لبعض المحافظات عطلة رسمية لعدة ايام.
والى جانب الملايين من العراقيين الذين قدموا الى كربلاء المقدسة من مختلف انحاء البلاد، فأن 500 الف زائر اجنبي من بلدان مختلفة كدول الخليج العربية وايران وسوريا ولبنان والهند وباكستان واميركا واستراليا وكندا واوربا ادوا مراسيم زيارة الاربعينية، وعدد غير قليل من هؤلاء قطعوا عشرات الكيلومترات سيرا على الاقدام نحو كربلاء المقدسة. ورغم الاجراءات الامنية المشددة التي اتخذتها الحكومة الاتحادية وبالتنسيق مع الحكومات المحلية للمحافظات، حيث قدر عدد القوات والاجهزة الامنية التي استنفرت لتأمين الحماية للزائرين بمائة وعشرين الف عنصر، فأن عمليات ارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة وقعت في مدينة كربلاء المقدسة ومدن اخرى مثل النجف الاشرف وبغداد وديالى تسببت بسقوط مئات الشهداء والجرحى من الزائرين، والملفت ان تلك العمليات الارهابية –وكما هو الحال في الاعوام السابقة-لم تثني الزائرين عن مواصلة سيرهم نحو الامام الحسين عليه السلام، بل انها كانت تزيدهم همة واصرارا وتحديا، وقد شاهدت بأم عيني ردود افعال الزائرين ومشاعرهم حينما انفجرت سيارة مفخخة على بعد سبعة كيلومترات من كربلاء، في الساعة الثانية بعد ظهر يوم الخميس من الاسبوع الماضي، فبدلا من ان يتفرق الزائرون ويصابون بالرعب والخوف والفزع، راحوا يرددون الشعارات الحسينية.. هيهات منا الذلة.. لو قطعوا ارجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي ياحسين.. ابد والله ماننسى حسيناه.
الى جانب ذلك فأن مواطنين اجانب-غير مسلمين-شاركوا في المسيرات الراجلة الى جانب الزوار العراقيين وغير العراقيين من بلدان العالم الاسلامي، فالمواطن الكندي مايكل سايمونز انطلق من النجف (80 كم غربي كربلاء) مع مجموعة من العراقيين الذين يحملون جنسيات اجنبية، مرتديا ملابس سوداء يقول "ما نفعله هنا هو المشاركة في ما نسميه مسيرة الاربعينية من أجل الحياة، وهذه محاولة لإظهار التضامن مع الشعب العراقي، ويقول زميله العراقي "اذا استسلمنا لهذه التفجيرات فإن هذا يعني أن الارهابيين حققوا انتصاراً. أدعو كل الشرفاء الى الوقوف ضد هؤلاء الارهابيين الأشرار. ومعلوم ان مراسيم الزيارة الاربعينية جرت في ظل ظروف مناخية صعبة، حيث درجات الحرارة المنخفضة جدا، وهطول الامطار في مختلف مناطق العراق خلال الاسبوعين الماضين .وبالطبع فأن الملايين الخمسة عشر التي تمثل مختلف شرائح وفئات من مكونات المجتمع العراقي وغير العراقي، لم تأت الى كربلاء المقدسة لنيل مكاسب مادية دنيوية، او للترفيه والترويح عن النفوس.
مئات وعشرات الكيلومترات قطعها زوار الامام الحسين عليه السلام، في ظل ظروف وتحديات ومخاطر كبرى من قبل الجماعات الارهابية الصدامية والتكفيرية، وكل ذلك لتجديد البيعة والولاء لابي الاحرار ورمز الثائرين، واطلاق رسالة بالغة في معانيها ودلالاتها ومضامينها، ليس هناك رسالة ابلغ منها. وفي كل عام تجدد الملايين عهد البيعة والولاء الحسيني، وفي كل عام تزداد اعداد الحشود المليونية الزاحفة نحو قبلة الاحرار من كل جانب وصوب، دون ان تعبأ بالمخاطر والتهديدات والتحديات التي هي الاخرى تزداد عاما بعد عام وتتخذ صورا واشكالا مختلفة، فمنذ الف وثلاثمائة وواحد وسبعين عاما وانصار الامام الحسين ومحبيه ومريديه يواجهون القتل بصدور رحبة، ونفوس مطمئنة، وقلوب مؤمنة، والعبوات والاحزمة الناسفة والسيارات المفخخة التي فجرها الارهابيون في جموع الزوار في مناطق مختلفة هذا العام وادت الى استشهاد وجرح المئات منهم لم تختلف من حيث الجوهر والمضمون عن اساليب ووسائل اخرى انتهجها اعداء اهل البيت عليهم السلام على امتداد اربعة عشر قرنا من الزمان، وهم يحاولون جاهدين محو ذكر الامام الحسين عليه السلام من نفوس وقلوب وعواطف ملايين الناس، ليس من اتباع اهل البيت عليهم السلام فحسب، وليس من المسلمين فقط، وانما من مختلف المذاهب والاديان والملل والنحل. ولان الطريق الذي سار عليه ابي الاحرار، والنهج الذي اختطه، والهدف الذي سعى اليه كان مستقيما وصائبا وساميا، فأن كل محاولات اعداء الدين واعداء الانسانية واعداء الحق باءت بالفشل الذريع، وازدياد الحشود المليونية السائرة والزاحفة نحو قبلة الاحرار عاما بعد عاما يمثل الدليل الدامغ الذي لامجال معه للنقاش والجدل والسجال، لان صور الواقع ليست بحاجة الى اي تفسير او تأويل، لانها تشرح وتفسر نفسها بنفسها.
|
|