درس كربلاء
|
*عبد الهادي البابي
في ذكرى سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام،وذكرى الصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه، علينا أن نستنفر عقولنا لتنفتح على الله في عهدنا معه سبحانه وتعالى على البقاء على الأيمان به، والتصديق برسالاته، وأن نستنفر قلوبنا وندرسها جيداً حتى لاتكون كقلوب الذين قاتلوا الحسين عليه السلام، وخانوا عهده، وخذلوه في ساعة العسرة والشدة والذين صدق فيهم قول الفرزدق الشاعر عندما سأله الأمام الحسين عليه السلام عن خبر أهل الكوفة، فقال: (قلوبهم معك وسيوفهم عليك)، فعلينا أن نُحرك سلاحنا وشجاعتنا وقوتنا لتواكب عواطفنا ومشاعرنا الجيّاشة في هذه الايام، وأن نحرك مواقفنا في خط عقولنا، ويجب أن تكون علاقتنا بأهل البيت عليهم السلام علاقة ولاء عن عقيدة راسخة و وعي عميق، وأن نكون معهم، ونستمع إلى وصاياهم ومواعظهم ونصائحهم.
إذا أردنا أن نحيي أمرهم، فلنلطم مانشاء، ونبكي مانشاء، ونحيي شعائرهم مانشاء، ولكن إذا إنحرفنا عن خطهم، وخالفنا وصاياهم، ولم نقتدي بسيرتهم، فما فائدة بكائنا ولطمنا؟ وقد قال الأمام الباقر عليه السلام: (من كان ولياً لله فهو لنا ولي ومن كان عاصياً لله فهو لنا عدو).
إن أهم أمر يجب علينا مراعاته في إحياء الشعائر الحسينية، هو التلاقح الأيجابي بين الفكر والعاطفة، حيث أنه من الضروري أن تبقى القضية الحسينية متحركة في التعبئة الجماهيرية الواسعة بكل الوسائل التعبوية، لأن القضية الحسينية كالقضية الإسلامية لابد من أن يلتقي فيها
العقل مع العاطفة، فكما إننا نحتاج إلى البراهين العلمية والى الجو العلمي من أجل تنمية الأفكار، نحتاج كذلك إلى العاطفة لتثير فينا مشاعر الحب للحق والكره والتبرؤ من الظلم، وإلا فهل إن نصرة المظلوم أمام حاكم ظالم وطاغي بحاجة الى مسألة عملية، ام الى تفاعل في الشعور والعاطفة؟
ونحن نصر على بقاء العاطفة في كل قضية تتصل بالجانب العقائدي لأنه لا العقل وحده ولا الفكر وحده بقادرين على تخليد أي مبدأ، ولهذا فثمة فرق بين الفكر وبين الأيمان، فالفكر يبقى معادلة في العقل، وإذا بقي معادلة في العقل فقد لا يسيطر على كيان الإنسان، لأنه متى ينطلق الفكر ليهز كيان الإنسان ؟ الجواب : هو عندما يقود الفكر إلى الإيمان، وذلك لأن الإيمان فيه شيء من العاطفة وشيء من العقل، وذلك فنحن نعتقد إنه لابد من أن تبقى قضية الحسين (عليه السلام) تتحرك في إطار التعبئة الجماهيرية العاطفية إلى جانب التعبئة الفكرية والعقلية.
وعلى ضوء هذا يتضح يتضح أن المواكب الحسينية بكل أشكالها ضرورة، كما أن البكاء يعتبر حاله إنسانية طبيعية نشجع عليها وندعو لها بقوة بالوسائل المتاحة،
فالبكاء ضرورة في مأساة كربلاء، ولذلك فليس من حق أحد أن يتعالى على البكاء ويعده عملاً يعبر عن الضعف والضعة، بل العكس تماماً فهو يكرس شخصية الانسان السوي والشجاع الذي يراجع حساباته ومواقفه في الحياة مستلهماً من مواقف ومبادئ الحسين عليه السلام، فيبكي على المصاب الذي جرى عليه عليه السلام ويجدد العهد والولاء بان يمضي على طريقه. ولعل أجمل وأصدق من كتب في البكاء على الامام الحسين عليه السلام ما قاله الشاعر:
تبكيك عيني لا لأجلِ مثوبةٍ
لكنما عيني لأجلك باكية
تبتل منكم كربلا بدمٍ ولا
تبتل مني بالدموع الجارية
فلننطلق من خلال حبنا للحسين وحبنا للصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابة ونتفاعل مع المأساة العظمى والرزية الكبرى التي أبكت أهل السماء قبل أهل الأرض، وعلينا أيضا أن لا نحبس القضية الحسينية في دهاليز الحزن والبكاء فقط فنجعل منها وكأنها قضية خاسرة على طول التاريخ، بل من الواجب علينا أن نطلق هذا المارد العملاق المليء بالقيم والمواقف الأنسانية الكبرى لكي يغذي النفوس الضامئة الى الحرية ومعانيها النبيلة السامية حتى ينتفع الجميع من هذه الرحمة الربانية المتمثلة بموقف سيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء. وعندما تنطلق العاطفة خلف العقل إلى ميدان العمل يكون التأثير أبلغ والانتفاع ببركات الأمام الحسين عليه السلام أعم وأشمل.
|
|