في ذكرى رحيل خاتم الانبياء صلى الله عليه وآله..
الرسول الكريم كما يصفه إمام المتقين
|
*حسين محمد علي
لايمكن معرفة شخصية الرسول الأكرم(ص) معرفة حقيقية إلا من خلال كلام رب العزّة وكتابه المنزل أو من خلال كلام من رافق الرسول الأكرم (ص) في كل مراحل حياته. وهو ليس سوى الامام علي (ع) الذي رافق رسول الله صلى الله عليه وآله في كل مراحل حياته وتربى في بيت النبوة وانعكست انوار النبوة على شخصيته عليه السلام حتى اصبح نفس رسول الله كما تقول آية المباهلة: "فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (آل عمران /61)، لذا يمكننا مراجعة كلام الإمام أميرالمؤمنين لنستشهد به ونتعرّف على شخصيّة الرسول الأكرم(ص). ففي كتاب نهج البلاغة هناك شروح وافيّة تبيّن الظروف الإجتماعية والثقافية التي عاشها الرسول الأكرم قبل البعثة وبعدها.
يقول عليه السلام في إحدى خطبه: (إن الله بعث محمداً صلى الله عليه وآله، وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً، ولايدعي نبوّة، فساق الناس حتى بوأهم محلتهم، وبلغهم منجاتهم، فاستقامت قناتهم، واطمأنت صفاتهم). (خطبة33)
نقل جميع المؤرخين الذين تناولوا حياة الرسول الأكرم بأنه (ص) كان أميّاً أي لايقرأ ولايكتب هذا هو بحد ذاته جواب وردّ قاطع للذين يدّعون أنه (ص) أخذ تعاليمه من كتب الأنبياء السابقين، والقرآن يشير إلى هذه الشبهه التي أثارها البعض، حيث نقرأ في سوره الفرقان: "وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الفرقان /5).
وفي الخطبة رقم (1) من نهج البلاغة يشرح الإمام (ع) الوضعيّة العامة للمجتمع المكي، بعد أن يبيّن فيها وظائف ومسؤوليات الأنبياء السابقين، فيقول عليه السلام: (... إلى أن بعث الله سبحانه محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانجاز عدته، واتمام نبوته، مأخوذاً على النبيّن ميثاقه، مشهورةً سماته، كريماً ميلاده. وأهل الارض يومئدٍ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، طرائق متشتته، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحدٍ في اسمه، فهداهم به من الضلالة، وانقذهم بمكانه من الجهالة.
وبلا شك يعد الانبياء وبالاخص خاتم الرسل محمد (ص) أسمى وأعلى النماذج العمليّة لفلاح الناس وإسعادهم في الدنيا والآخرة اذ انهم مرتبطون برب العالمين عن طريق الوحي فهم ذوو مراتب سامية وخصالٍ نبيلة لايضارعهم أحد في الخلق. فهذا الامام علي(ع) يوصي ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) باتباع الرسول واتخاذه قدوة في الحياة فيقول عليه السلام: (ولقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله كافٍ لك في الأسوة ودليل لك على ذم الدنيا وعيبها، وكثرة مخازيها ومساويها اذ قبضت عنه اطرافها ووطئت لغيره اكنافها، وفطم عن رضاعها، وزوي عن زخارفها. فتأس بنبيك الاطيب الاطهر صلى الله عليه وآله وسلم فان فيه أسوة لمن تأسى وعزاءً لمن تعزى واحب العباد إلى الله المتأسي بنبيه، والمقتص لاثره.)
ومن وصايا للامام الحسن (عليه السلام) يقول: (واعلم يا بني ان أحداً لم ينبئ عن الله سبحانه كما أنبأ عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فارض به رائداً، وإلى النجاة قائداً، فإني لم آلك نصيحةً. وأنك لن تبلغ في النظر لنفسك – وان اجتهدت- مبلغ نظري لك). فرسول الله (ص) هو اسوة متكاملة لكل البشر وهو الانسان الكامل الذي يجمع كل صفات الخير والفضيلة. والقرآن الكريم ينص على ذلك حيث يقول الله تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب/21).
فهو صلى الله عليه وآله وسلم قد اعرض عن الدنيا وما فيها بعد أن اقبلت الدنيا عليه وبعد أن طئاطأ ملوك الارض رؤوسهم له اجلالاً وتعظيماً فهو (آل) على نفسه إلاّ ان يعيش عيش الفقراء فكان(ص) يعيش في ادنى مستوى اقتصادي آنذاك وهذا الامام علي(ع) خير شاهد على هذا الامر فهو الوحيد الذي كان ملازماً لرسول الله حتى آخر لحظة من وفاته وهو اقرب منه روحاً وجسداً فيقول في هذا الصدد: (قضم الدنيا قضماً، لم يُعرها طرفاً. أهضم أهل الدنيا كشحاً وأخمصهم من الدنيا بطناً، لقد كان (ص) يأكل على الارض ويجلس جلسة العبد ويخصف بيده نعله ويرقّع بيده ثوبه ويركب الحمار العادي ويردف خلفه. ويكون الستر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول: (يا فلانه - لاحدى ازواجه- غيبيه عنّي، فاني اذا نظرت اليه ذكرت الدنيا وزخارفها. فاعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحبّ ان تغيب زينتها عن عينه لكيلا يتخذ منها ريشا، ولا يعتقدها قراراً ولايرجوا فيها مقاماً فأخرجها من النفس وأشخصها عن القلب وغيبها عن البصر). (خطبة160)
وفي مناسبات مختلفة يثمّن الإمام أميرالمؤمنين الرسول الأكرم محمد (ص) ويمجّد مساعيه وجهاده في سبيل ارساء دعائم التوحيد وفي طريق بناء المجتمع السليم الذي تسود فيه العدالة ويحظى الناس فيه بحقوقهم المشروعة.
فهو عليه السلام يشبه الرسول الأكرم (ص) بشمس ساطعة في ظلام دامس أضاءت القلوب بالفضائل الانسانية وبالتعاليم السماوية بعد أن خمدت نور المعارف الالهية في النفوس، وبعد أن اضاع الناس مناهج الانبياء السابقين وحرفوا تعاليمهم الالهية. فدمر الأصنام التي كانت رموزاً للظلم والشرك بالله، لنعد مرّة أخرى ونستشهد بكلام أميرالمؤمنين: (فاق الناس حتى بوّأهم محلتهم وبلغهم منجاتهم فاستقامت قناتهم وأطمأنت صفاتهم). وفي خطبة أخرى يبيّن الامام أميرالمؤمنين المجتمع الجاهلي آنذاك فيقول: إن الله بعث محمداً (ص) وأهل الارض يومئذٍ ملل متفرقة واهواء منتشرة وطرائق متشتته بين مشبه بخلقه أو ملحد في اسمه فهداهم به من الضلالة وانقذهم بمكانه من الجهالة. (خبطة رقم 1).
ويقول أيضاً عليه السلام: (ارسله داعياً إلى الحق وشاهداً على الخلق، فبلّغ رسالات ربه غير وان ولا مقصّر، وجاهد في الله اعداءه غير واهن ولامعذّر). (خبطة 116)
ومهما يكن، لا يمكن أن نحيط بكل أبعاد شخصيّة الرسول محمد (ص) من خلال هذا المقال، لذا وجدنا من الجدير ان يكون الختام حديثاً عن الإمام علي (ع) يمجد فيه المقام الشامخ لرسول الله صلى الله عليه وآله حيث يقول: (اللهم افسح له مفسحاً في ظلك، وأجزه مضاعفات الخير من فضلك. وأعل على بناء البنائين بناءه، وأكرم لديك منزلته، وأتمم له نوره، وأجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة مرضى المقالة، ذا منطق عدل، وخطبةٍ فصل. اللهم اجمع بيننا وبينه في برد العيش وقرار النعمة ومنى الشهوات واهواء اللذات ورخاء الدعة ومنتهى الطمأنينة وتحف الكرامة). (خطبة71)
|
|