الحج .. فرصة للاستغفار من (الصدّ عن سبيل الله) و خطوة نحو التقدم الحضاري
|
*إعداد / بشير عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحج :
"بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى? صِرَاطِ الْحَمِيدِ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ * وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ الىمٍ" .
كل من يأتي الى هذه الديار المقدسة يبحث عن تطهير الذنوب ، وعن التحول في حياته من حالة الى حالة اخرى ، وبالرغم من ان اكثر من مليونين او ربما ثلاثة او اربعة ملايين من البشر يحجون كل عام ، فلماذا لا نجد تحولاً أساسيا في أوضاع المسلمين؟ بل وحتى في اوضاع الحجاج انفسهم ، انهم يحجون كل عام ولكن يعود كل منهم بعدئذٍ الى حالته السابقة.
لا ريب ان الحج و شرائعه تحمل منافع للمسلمين ، ولكن ألا يحق لنا ان نتسائل ، هذا يكفي هذا المقدار من المنفعة؟
ثم، ألا يمكن ان نجعل من الحج وسيلة الى تحقيق ذاك الهدف الذي بينه الرب سبحانه وتعالى في الآية التي صدرنا بها الحديث عندما يقول: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى? صِرَاطِ الْحَمِيدِ " ، وهو ان يعود الحاج طيب القول ، وطيب السلوك ، حميد السلوك ، حميد الافعال ، حميد الصفات؟
الاجابة: بلى ، ولكن كيف ذلك؟ وهل هذا بمعنى أن ثمة نقص في شريعة الحج ؟! وهل يمكن ان نضيف الى هذه الشعائر ابتداء من الاحرام وانتهاء بالمبيت في منى؟ فهل نستطيع ان نضيف بنداً آخر او شيئاً آخر؟ كلا، لأن الحج بذاته يتضمن كل مقومات الاصلاح، فحينما يضع الانسان ثيابه ويتخلّى عنها لفترة معينة ويتوجه الى الله بكل وجوده ، ويلبي للرب قائلاً: (لبيك اللهم لبيك)، فهذا بمعنى ان الانسان يستجيب لكل ما طلبه من ربه تعالى ويطلبه منه في المستقبل، ومنها الالتزامات خلال مراسيم الحج، من التخلّي عن ثيابه وتميزه واعتزازه، وارتداء ملابس أخرى تجعله سواسية مع الملايين، ومروراً بتحمل الصعوبات ومشاكل الطرق والسفر، ثم ان الحاج يقوم بكل أعمال الحج من الطواف والسعي و التقصير و الوقوف بعرفات والمزدلفة والنحر والرمي والحلق، وغيرها مما يُعد من عوامل الاصلاح، ثم ان الناس خلال مراسيم الحج يستغفرون وبعمق وبنية صادقة وبإخلاص، لكن مع كل ذلك لا نجد التأثير المطلوب في كثير من الناس. فما السبب في ذلك ؟
ليكون للاستغفار معنى
ان المشكلة تكمن في محدودية ثقافتنا الدينية، وربما تكون ناقصة. فنحن لم نتعرف على الدين الحق ، ثم نستغفر من الذنوب، ولكن الحقيقة اننا نستغفر من الذنوب التي ليست لها اهمية كبيرة، اما الذنوب ذات الاهمية ، التي تسمى في الشريعة المقدسة بـ(الكبائر) ، فالكثير من الناس لا يعتبرونها ذنباً بالاساس، بل يمارسونها ليل نهار وباعصاب وبدم بارد! فهو يمارس الذنب ، ولكن في نفس الوقت يحمل معه ثقافة تلغي كون عمله ذنباً. هنا عندما يصل الى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج ويقف عند الكعبة المشرفة وبالقرب من (المستجار) ليستغفر الله من ذنوبه، وهو على تلك القناعة، فماذا يعني له الاستغفار؟
ان الامام الصادق (سلام الله عليه) عندما كان يصل الى (المستجار) يقول: (اميطوا عني... اميطوا عني...)! أي تنحّوا جانباً بمعنى أريد أن اعترف لله بذنوبي، هكذا يكون الاستغفار من الذنوب الى الله تعالى.
ويثور السؤال هنا؛ ما الذنب الكبير الذي يتجاهله البعض ويجعل من الاستغفار أمراً شكلياً؟
لنتدبر في الآية الكريمة التي صدرنا بها الحديث، لنرى هل ان استغفارنا نحن المسلمين حقيقي وعميق أم شكلي وسطحي؟ وما هو دور الجهل بالدين وحقائقه في هذا المطب الخطير؟
ان القرآن الكريم كتاب مبين واضح لا لبس فيه، ربنا سبحانه وتعالى بعد هذه الآية: "وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى? صِرَاطِ الْحَمِيدِ" يقول: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ * وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ الىمٍ" . ونحن هنا نعد انفسنا ضيوفاً للرحمن حتى نعرف ونعي ما يقوله لنا، وربنا يقول: "الَّذِينَ كَفَرُوا" فما هو معنى الكفر؟ هناك آيات كثيرة في القرآن الكريم حول معنى الكفر، والآن امامنا كلمة (الصد) التي جاءت مرادفة للكفر في هذه الآية الكريمة، فالصد عن سبيل الله بمعنى الكفر، هناك مثل في نفس الآية ربنا يبينه وهو : "الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ"، فاذا اراد انسان مسلم و حاج أن يؤدي مناسك الحج لكن يمنع من ذلك، فماذا يعني هذا....؟ انه الصد عن سبيل الله بعينه ، لكن هل هذا المثال الوحيد للصد عن سبيل الله؟ أم هناك أمثلة اخرى أو تطبيقات أخرى؟
(الصد عن سبيل الله) .. أمثلة عديدة
المشكلة اننا لم نفهم بشكل صحيح المعنى الحقيقي لكلمة (الصد)، و لذلك نرى الكثير منّا يمارس الصد عن سبيل الله، وهذه جريمة كبيرة وخطيئة كبرى، ثم لا يعتقد هذا الانسان بأن هذه خطيئة. – مثلا- هناك من يريد بناء مسجد في مكان ما، فيجد امامه القانون والمنع، ألا يعني هذا (صد عن سبيل الله)؟ ، او يريد ان يبني حسينية فيضعوا امامه العقبات والموانع. وما اكثر ما نشهد ممارسة هذا النوع من المعصية والخطيئة بذرائع ومسميات مختلفة ، منها (القانون) أو (النظام)، او غير ذلك، بينما القانون، هو قانون الله ، والحاج يفد على الله تعالى ليضع هذه القوانين البشرية تحت رجليه، والا يكون مشركاً، وإلا ما الفرق بين الشرك في مفهومه الواضح ، وبين من يقرن القانون البشري مع القانون الإلهي؟ انه (الصد عن سبيل الله) بعينه.
وهناك من لا يمنع من بناء المسجد او الحسينية، لكن لديه طريقة اخرى (للصد)، فقد يريد شخص بناء مسجد، فيأتي الىه عالم دين ويقول له: (وأين المصلون ....)! و (ما فائدة المسجد ...)؟! وهذا هو الصد عن سبيل الله. و رب قائل: باني لم امنعه من بناء المسجد، إنما تكلمت فقط، لكن هذا الكلام هو يشكل عامل المنع والتثبيط وهو الذي يمثل الثقافة التبريرية، وكثير من الناس لا يعملون الخير والبر بسبب هذه الثقافة الخاطئة، لكن إلا يجب على الانسان ان يفكر بعاقبة وانعكاسات كلامه السلبي إزاء اعمال الخير؟
حصل ان يستشير الناس شخصاً حول أعمال الخير والبر، فيطلق كلمات سلبية فان هذا بالحقيقة جسّد (الصد عن سبيل الله)، وليس في بناء المسجد وحسب، بل ربما يسأل البعض عن الذهاب الى المسجد الفلاني... فيقول له: كلا، بل اذهب الى ذاك المسجد الفلاني... لانه يعود الى جماعته او فئته، والجميع يعلم "إن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا"، وينطبق هذا على منع زيارة ائمة البقيع في المدينة المنورة. إذن؛ لمن يقف امام أعمال الخير ان يقدم حجة ودليلا بينه وبين الله تعالى، لا أن يتكلم بشكل عابر وغير مسؤول.
والامر لا يتوقف عن أعمال الخير والبر، مثل بناء المساجد والحسينيات والمؤسسات الدينية والثقافية، إنما حتى في بناء بيت لمن يفتقر لسقف يأويه، لنفترض انساناً يريد ان يبني له بيتاً وسط الصحراء ، ثم يأتي شخص وقف امامه ويمنعه عن ذلك، ألا يسمى هذا (صد عن سبيل الله) ؟ ان عمران البلاد سبيل الله تعالى ، والله تعالى هو يريد للناس ان يسخروا ما في الارض لمنفعتهم.
حصل هذا مدينة كربلاء المقدسة بعد سقوط الطاغية، فتضاعف عدد نفوس المدينة، والسبب أن الناس تجاوزوا ما يسمي (القوانين)، لانها كل هذه القوانين عبارة عن (صد عن سبيل الله)، وإن لم يفعلوا ذلك لكانت قد اندلعت ثورة في اوساط الناس، لان الناس بحاجة الى سكن، ولا يريدون العيش في العراء، لكن نجد هنالك قوانين صارمة في البلاد تحول دون ذلك، الامر الذي تسبب في ازمة سكن ، رغم وجود الصحاري الشاسعة، و وجود الامكانيات لدى الناس، لكن المشكلة في بعض المتنفذين والمهيمنين الذي يقتطعون الاراضي ويصيرونها ملكاً لهم، بينما "الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ"، والنبي الاعظم صلى الله عليه وآله قال: (الارض لله ولمن عمرها) ، وهو حديث متفق عليه بين المسلمين جميعاً، ومؤيد من قبل الآيات القرآنية.
وحصل نفس الشيء في احدى البلدان الخليجية، حينما جاء المتنفذون في ذلك البلد بمجموعة براميل وأخذوا يلونوها ويحملونها باعداد كبيرة على شاحنات الى الصحراء ثم يصففونها على الارض ويكون بين برميل وآخر مسافة 20/30 متر ، لتتحدد بذلك قطعة من الارض وتسمى باسم (فلان....) بمعنى انه احتل الارض ، واصبحت ملكه. بل حتى السواحل والوديان وقمم الجبال لا يملكها الانسان، وكلها مال الله تعالى. ففي بلد خليجي لا يحق للناس التنزّه عند شاطئ البحر، وفي العراق في عهد الطاغية كانت كل السواحل ملكاً له، والىوم يجب ان يتغير الامر، وقد أشرت الى هذا الموضوع لأمين العاصمة بغداد، وطلبت منه ان يفتح سواحل نهر دجلة أمام الناس، فقال: ان هنالك متنفذين لا يسمحون لنا بذلك. ويتفق كل الفقهاء على تفسير الآية الكريمة: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ* قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ "، بمعنى ان الانفال أن لا تملك، وكما يحصل في عرفات عندما تكون ازمة الخيام، فلا خيام للجيمع، إنما هذا لهذه الجماعة وتلك لاصحاب ذاك المذهب و... هكذا، ويكون الحاج حائراً خلال أدائه واجبات الحج. وهذا هو (الصد عن سبيل الله) بعينه.
استيطع التأكيد ان 75 % من القوانين الى الموجودة في بلادنا الاسلامية تدخل في اطار (الصد عن سبيل الله) ، لأن هنالك من يريد المتاجرة او الزراعة او العمارة ، فيواجه المنع والعقبات، وهذه كلها مصاديق واضحة (للصد عن سبيل الله)، ثم ان هذا الشخص الذي يمارس هذه الاعمال ياتي الى الحج و يقول: (انا مسلم) وانتمي الى بلاد اسلامية، ولكنه يطبق قوانين ما انزل الله بها من سلطان.
العمران بتطبيق القوانين الإلهية
ان المسلمين الأوائل في صدر الاسلام عمروا البلاد خلال فترة قصيرة ، وهذا مثار تساؤل، فقد كانت المدينة المنور تسمى سابقاً (يثرب) وهو بمعنى المرض، فكيف تحولت المرض او (طيبة)؟ بعض المؤرخين يذكرون، وهو مثال واحد يقدمه لنا النبي الاعظم صلى الله عليه وآله، فحينما ورد الى المدينة وجد امامه المشاكل والازمات ، ومنها المشكلة الصحية المتفاقمة، فقد كانت معروفة بانتشار حشرة (البعوض غير المكتمل) الذي كان يصيب الانسان آنذاك بمرض (الملاريا)، وكان منشأ هذه الحشرة هي المستنقعات العديدة في هذه المدينة، لكن هذا المرض لم يكن يضرب اهل المدينة لان بعضهم كانوا متحصنين ضد المرض، بينما الغريب الذي يفد عليهم يصاب بالمرض بحيث لا علاج له سوى الموت، وهي سنة الهية غريبة حقاً، ومن ضحايا هذا المرض والد النبي وهو عبد الله سلام الله عليه، المدفون بالمدينة، وضمن مساحة المسجد النبوي.
فماذا فعل النبي صلى الله عليه وآله؟ أمر بردم تلكم المستنقعات بحث التراب من المرتفعات العالىة على المنخفضات ثم أمر بالزراعة ، فبدأ المهاجرون بزراعة الارض، وكان في مقدمتهم أمير المؤمنين عليه السلام الذي كان هو شخصيا يزرع الارض، وذات مرة رآه شخص يحمل شيئاً، فسأله عنه فقال عليه السلام: ألف نخلة ان شاء الله، بمعنى انه كان يحمل نواة التمر، و راح يزرع الارض صارت خضراء معشوشبة، والان اهل المدينة يفتخرون بـ (نعناع المدينة)، و يقولون هذه نبتة النعناع من زراعة النبي صلى الله عليه وآله، بل اصبح (نعناع المدينة) مشهوراً في العالم أجمع، ثم تحولت المدينة من مكان يصاب الانسان فيها بالمرض ، الى مكان يحصل منه على الشفاء من المرض. وهكذا حصل ليس في المدينة ، بل في كل مكان وصله المسلمون ، وطبقوا القوانين الالهية، فقد زرعوا الارض واستخرجوا المعادن وتحركت عجلة الاقتصاد وتحرك المجتمع.
وفي العراق ايضاً عندما فتحها المسلون ازدهر البلد بعد ان كروا الانهار وحفروا الآبار ورزعوا الاراضي، كل ذلك بفضل القوانين الإلهية، و رب قائل: بان هنالك نظاما دوليا حاكما، والجواب؛ ان الذي يعرف ان هذا النظام والقانون ليس بالهي، له ان يطبق القانون الإلهي بمقدار الواجب و الضروري، والبقية تكون من مهمة الناس، فيجب على الامة ان تتخلص من هذه القوانين.
تجربة تالىف كتاب
اتحدث عن تجربة شخصية حول (الصد عن سبيل الله) وعمل الخير... ذات يوم، كنت مشغولا بتأليف كتاب عن (مسلم بن عقيل) وهي قصة قديمة، فجاء زائر وسألني عما اكتب؟ فقلت كتاب حول (مسلم بن عقيل) فقال: يا أخي...! الكثير كتب عن مسلم، ثم من يقول انه كتابك أحسن من هذه الكتب...؟! وثم من يقول انك تتمكن من طباعة الكتاب...؟! و من يقول....؟! وترك هذا الكلام أثراً سلبياً في نفسي، وكلما حاولت الكتابة ما استطعت، لكن بعد ثلاثين سنة وفقني الله تعالى و كتبت حول (مسلم بن عقيل)، وكان السبب وراء ذلك هو (نذر)، فانا لا املك الكثير من الامكانيات المادية، فاذا كانت تحصل عندي مشكلة، انذر صلوات عن النبي صلى الله عليه وآله ، أو انذر تالىف كتاب، فذهبت الى قبر حمزة سلام الله عليه، وقلت له: سيدنا...! عندي قضية ، وهي الهية وليست شخصية ، وهي أن انذر تالىف كتاب عنك اذا تحققت لي قضية، فقد الفت فيما مضى 14 كتاباً حول اربعة عشر معصوما، وايضاً حول مسلم ، وحول زينب ، و حول ابو الفضل العباس سلام الله عليهم اجمعين، و قد نذرت ذلك وتحقق، والآن عندي نذر في رقبتي حول ابي الفضل العباس، فاذا الله وفقني لمشروع خيري، اكتب كتابا ثالثا.
ومنذ ذلك الحين عاهدت نفسي أن لا اسمع كلمة (لا) في حياتي، و احاول أن اتوكل على الله واستجير به من الافكار السلبية، ان مجتمعنا مليء بهذه الثقافة السلبية. انه (صدّ) وعلينا ان نستغفر الله من هذا الذنب. كل هذا بسبب التقوقع والفئوية السائدة ييننا، فهذا من جماعتنا، وذاك ليس من جماعتنا، انه هذا الكلام سيكون شاهداً امام الله يوم القيامة: "وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ"، لماذا قلت: (نعم)؟ ولماذا قلت: (لا). مثال ذلك؛ أن يسالني شخصٌ: هل أقرأ كتاب فلان...؟ فاقول له: كلا! لا لأنه كتاب ضلال، بل لأني لست مؤلفه! او بالعكس، ربما يقول له آخر: اقرأ ذلك الكتاب، أو لا تذهب الى ذلك الخطيب فهو ليس من جماعتنا...! وهكذا من امثال هذه التثبيطات والكلمات السلبية الهدامة، ولذا نجد الىوم الكثير من الاختلافات بين المسلمين وبين المؤمنين، انما هي نوع من الوساوس الشيطانية نمت فينا و وصلت الى هذا الحد.
وهنالك رواية عن النبي صلى الله عليه وآله: (من اعان علي قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب علي جبهته: آيس من رحمة الله). فالنبي الاكرم لم يقل: من أعان على قتل مسلم برصاصة أو بمال ، إنما بشطر كلمة ، فهذا الذي يجلس خلف (الميكرفون) ويكفر المسلمين ويدعو لقتلهم وذبحهم، هل يدري أية مصائب ستحل على ملايين البشر في هذا العالم؟ وماذا سيؤدي هذا الكلام القاسي من ازمات في العالم. إذن؛ علينا ان نكون جديين في فهم كلام الله والقرآن الكريم، حتى لا نبتعد أكثر من هذا عن الكتاب المجيد.
المحصلة...
دعنا نفهم الدين ونفهم ما هو الذنب حتى نستغفر الله منه ، خصوصا الكبائر منها والمهمة. ان القرآن الكريم أصر على بيان قضية (الصدّ) في الحج بداية آيات الحج في سورة الحج: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ? وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ الىمٍ".
كان الامام الصادق سلام الله عليه حين يأتي الى الحج يخيّم في مكان نصفه حُرم نصفه حلّ، فاذا اراد ان يؤدب بعض غلمانه اخذه الى الجانب الخارج عن الحرم، يقول الامام عليه السلام: (كل ظلم في هذه الارض إلحاد)، ولذلك لا ظلم في الحرم، ولا في الشارع، لا يحق لأحد ان يقطع غصناً من شجرة، حتى وإن لم يكن محرماً ، لانه في الحرم، واذا رأى حمامه جالسة على قارعة الطريق عليه أن يتنحّى جانباً ولا يزعجها لانها تعود الى الحرم.
احد الشعراء الجاهليين أنشد يقول :
و المؤمّن عائدات الطير يمسحها
ركبان مكة بين العيل والسلم
ان الشاعر يقسم بالذي اعطى الأمان للطيور العائدة، فهي تفهم وتدرك الوضع، ولذا فهي لا تهرب امام الانسان، بل تهبط الى الارض دائماً، وهو ما كان يمكّن البعض – حسب قول الشاعر- من أن يسمح علة الطير بكل سهولة، لانه يعرف المكان آمن.
من هنا على الانسان الحاج الالتزام بالحدود الشرعية سواء كان محرما او محلاً، فبما ان الزارع ليس الانسان حتى يأتي ويشذب او يقطع، إنما الزرع والضرع وكل شيء لله تعالى، وعليه يجب ان يكون شيئا آمنا وبعيدا عن الصدّ والتطاول والتجاوز.
|
|