ثقافة رسالية

قطار الزمن السريع.. هل نلحق به؟

حسناً قال العلماء: (لا نجاح من دون ان يعرف المرء كيف يصرف وقته) دائماً يبحث الناس عن سبل النجاح في اعمالهم ومختلف شؤون حياتهم، سواءٌ في …

حسناً قال العلماء: «لا نجاح من دون ان يعرف المرء كيف يصرف وقته».
دائماً يبحث الناس عن سبل النجاح في اعمالهم ومختلف شؤون حياتهم، سواءٌ في الدراسة، او العمل، او التجارة، وفي العلاقات الزوجية والاجتماعية، وحتى في الجانب المعنوي والروحي، حيث العلاقة مع الخالق، جلّ وعلا، ومن أهم عوامل تحقيق النجاح؛ التعامل الصحيح مع الوقت و برمجة الساعات المتسارعة بشكل علمي ومثمر.

  • هل نملك الوقت؟!

ان الانسان منذ أن وعى عرف قيمة الوقت، ولذلك فانه حاول وضع الجداول له، مستهلما حركة الأجرام السماوية وتبدل الفصول، وذلك لكي يضبط التعامل معه، ولكي يعرف متى يعمل هذا، او ذاك، ومتى يفترض ان يكون هذا الشيء في هذا المكان دون غيره. ومما لا شك فيه أن الشمس المتقوسة فوق الرؤوس يوميا، كانت المقياس الاول للوقت، و ربما تلا ذلك، ظل عصا زرعت في الأرض لتكون ساعة شمسية بسيطة.
ثم طوّر البشر آلات ضبط الوقت بشكل أدق، وكلما زاد اهتمام الانسان بالوقت أصحبت آلاته أدق.
بالمفهوم البشري، لا تكاد تراقب الثانية تمضي حتى تكون انقضت. ولكن عالمنا التكنولوجي يحتاج الى وقت دقيق؛ فالملاح في عرض البحر او في الطائرة يعتمد، وهو يحدد موقعه بواسطة قمر اصطناعي، على اشارات زمنية دقيقة الى حدود جزء من المليون من الثانية (ميكرو ثانية). وتوجه مركبات فضائية مثل، فوياجر 2، بأوامر بالراديو مؤقتة في حدود جزء من مليار من الثانية (نانو ثانية)، أما علماء الفيزياء الذين يتتبعون الحركة داخل الذرة، فيحسبونها بجزء من التريليون من الثانية (فيمتو الثانية)، حتى يسهل ادراك الأمر.
ان الساعات الذرية في 50 محطة لضبط الوقت في أنحاء العالم، من واشنطن الى باريس وموسكو، تتيح هذا التجزيء المثير للثانية، ولقد أدرك العلماء، منذ الاربعينيات من القرن الماضي، ان الكترونات الذرة تتذبذب بايقاع منتظم – مثل رقاص الساعة – مما يجعلها صالحة للتوقيت. وتُستخدم الساعات الذرية التي بُنيت لاول مرة عام 1948، من ذرات السيزيوم، وهي معدن فضي اللون، تبلغ دقتها حدود بضعة أجزاء من مليار من الثانية (نانو ثانية) في اليوم.
ترى؛ هل يعطينا كل ما سبق مفتاحا لمعرفة الوقت؟
الجواب: في الحقيقة؛ كلا، كما يقول ديفيد ألان، الباحث في نظريات علم الزمن في المعهد الوطني للقياس والتكنولوجيا بالولايات المتحدة، ويضيف: «ان الساعات هي أجهزة ذات قدرة محدودة جدا». ويشير الى «أن الماضي ليس موجودا إلاّ فـــي ذاكرتنـــا، ولا مســـــــتقبل الا فــــي توقــعاتنا، ان أفضل مــــــا تســـــتطيعه الســـــاعة هــــو تحديد وقت لحظة مرت».

  • كيف نملأ أوقاتنا؟

ان الساعة ترشدنا الى متى وكيف نتصرف، فكل ساعة من الزمن هي دلو صغير للوقت بحاجة لأن نملأه، والساعة هي التي تحدد لنا متى نبدأ افراغ اللحظات فيه.
ان العالم المحيط بنا عالم موقوت، أي إنه محدد بالزمان، فكما أن الولادة والوفاة حدّان لحياتنا، كذلك فان هناك حدودا لكل ثانية من ثواني حياتنا، فلها لحظة ولادة، ولحظة وفاة. ومن هنا فان الله -تعالى- جعل في كل شيء ساعة تنبه على الزمان، حتى لا يقول أحد يوم القيامة، يا رب ضيعت عمري لأنني لم أحس بالزمان، فنحن نجد للطبيعة ساعتها، ولجسمنا ساعته وللأجرام ساعتها وهكذا.، فمثلا؛ اكتشف عالم الكيمياء الامريكي ويلارد ليبي عام 1947، ضابطا طبيعيا للوقت في كل شيء عاش في السنوات الخمسة الف الاخيرة: وكمثال على ذلك «ذرة الكربـــون – 14» التي يتحلل نشاطها الاشعاعي عند معدل معين، وبتحديدهم مستوى نشاط «الكربون- 14» يستطيع العلماء تحديد عمر مومياء او قطعة فحم من موقد هندي قديم.
لكن الوقت البشري – الادراك الحسّي لاجسادنا وعقولنا – متجذر عميقا في الماضي السحيق، قبل ان تبدأ مجموعة من الآلات ابلاغنا مواعيد النوم بزمن طويل جدا. ولذلك تدعى دورة الوقت الاساسية في جسم الانسان بـ «الايقاع الزمني المحتمل» ويعتقد ان مركز التحكم بهذه الدورة يقع في مركز معين تحت السرير البصري في الدماغ، فوق سقف الفم. ويعتقد ان طول الدورة الزمنية الطبيعية لغالبية البشر هو 25 ساعة بفارق 15 دقيقة.

  • هل نتمكن من تمديد الزمن؟ّ!

هنا يتساءل البعض كيف يمكننا ان نوسع الزمان، حتى نحصل على وقت اضافي لاعمالنا؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال لا بد من الاشارة الى ان الوقت اساسا هو ما نحسّ به، اكثر مما هو امر خارجي، فالوقت هو البعد الرابع لحياتنا. وهذا يعني ان بعض من يحس بضيق الوقت قد لا يكون على حق في ذلك والعكس ايضا صحيح.
ألا ترى كيف ان بعض الناس يحسون الساعة دهراً، والبعض الآخر يرونها تمر مرور الثانية؟!
ان الناس عندما يتحدثون عن الوقت ينقسمون الى قسمين: قسم يشتكي دائما من الانشغال الى قمة رأسه، ويقول: لا أستطيع ان أحك رأسي! وقسم لا يدري كيف تنقضي أوقاته، وبماذا يملأها، مع أن الوقت هو نفسه عند الجميع. وكل واحد منا يحصل منه بالتساوي مع الآخرين، اي 364 يوما في العام، و30 يوما في الشهر، و24 ساعة في اليوم وستين دقيقة في الساعة، وستين ثانية في الدقيقة، والتفاوت انما هو في توزيع الأعمال التي نقوم بها.
وهكذا فان الجواب عن السؤال السابق: كيف نمدّد الوقت؟ هو: بحسن التعامل معه، وذلك يتطلب أولا: دراسة اوضاعنا معه. وثانياً: التخطيط السليم للاستفادة منه.
في ما يلي مجموعة نصائح تجعل وقتك واسعا، وتجعلك قادرا على صرفه بنجاح:
أولاً: حدد الساعات التي تريد ان تقضيها في الاعمال المختلفة، وحاول ان تتقيد بها ولو بنسبة 70 بالمائة فسرعان ما تجد انك أنجزت الكثير وزاد لك وقت اضافي.
ثانياً: استغل الفراغات بين الأعمال.
نحن غالبا نسارع الى الانتقال من نشاط الى آخر، لكن الفترة القائمة بين عملين كثيرا ما تضيع. ونقول لأنفسنا: «لا فائدة من بدء عمل جديد بين هذا وذاك» فاذا كان علينا مثلا كتابة تقرير يستغرق في نظرنا اربع ساعات، فلا يخطر لنا أن نعالج هذه الوظيفة بتجزئة الوقت ثمانية أنصاف ساعة ونبرر موقفنا بالادعاء، ان الاندماج في العمل يتطلب أوقاتاً أطول، وننسى انه سبق لنا برمجة النشاط التالي الذي قد يكون الاستماع الى نشرة الاخبار او حضور برنامج مثير في اللتلفاز.
ان اكثر الذين يشكون من ضيق الوقت، على رغم ازدياد أوقات الفراغ، هم الذين لا يحسنون الافادة من الاوقات العارضة والفرص الضائعة في حياتنا العصرية.
ثالثاً: ليكن الحفاظ على وقتك أهم من مجاملة الآخرين.
أحيانا تبتلى بشخص يريد ان يسرد لك حديثا تافها لا يرتبط بدنياك ولا بآخرتك، ولأنك لا تريد مقاطعته، فانك تخسر الكثير من وقتك وأعمالك وتخسر مواعيدك ايضا، فتعلم كيف تقاطع الطرف الآخر بشكل مذهب كأن تقول له: «أعذرني لان عليّ الانصراف» فهذا أفضل بكثير من الاستماع بنرفزة، وضيق صدر الى متحدث يستمر في الكلام مثل سيل دافق من خرطوم ماء!
رابعاً: رتّب أشياء الدار
تراكم الاشياء بلا ترتيب يأكل الوقت من دون أن نحس بذلك، كما يرهق الاعصاب ايضا. ان التفتيش عن مطرقة او فتاحة علب لفترة من الوقت يضيع عليك وقتك كما ان فيه عذاباً مبرحاً، ولا فرق ان كنت تسكن دارا كبيرة من عشر غرف او شقة من غرفة واحدة، فأنت تخسر كثيرا من وقتك عندما لا تجد ما تبحث عنه.وأحد أجمل الاقوال المأثورة عبر العصور هو: «ليكن مكان لكل شيء، وليكن كل شيء في مكانه».
خامساً: نظّم أوقات التلفاز والموبايل
هنالك ارقام مذهلة ومريعة لارقام الساعات التي تصرف يومياً أمام الشاشة الصغيرة، سواءً؛ تلك التي تعرض برامجها من الاقمار الصناعية، او تلك التي تعج بتطبيقات الاتصال السريع وما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي.
ربما يجادل الكثير في الفوائد من هاتين الشاشتين، وما تقدمه لانسان اليوم من معلومات ومعارف وبشكل سريع، وهذا صحيح، بيد أن الصحيح ايضاً، أن هذه الفائدة يجب ان تقيد بوقت محدد، لا أن يترك لها الوقت مفتوحاً لتعطي نتائج كارثية كما نسمع ونشهد يومياً في مجتمعاتنا.
————————————
* مقتبس من كتاب آية الله السيد هادي المدرسي، تعلم كيف تنجح؟

عن المؤلف

زكي الناصر

اترك تعليقا