رأي

قانون الانتخابات الجديد ومختبر الوعي الجماهيري

تصويت البرلمان العراقي على تعديل المادة 15من قانون الانتخابات، قدح شرارة الأمل في نفوس العراقيين بتغيير نوعي في العملية الديقمراطية، وطيّ …

تصويت البرلمان العراقي على تعديل المادة 15من قانون الانتخابات، قدح شرارة الأمل في نفوس العراقيين بتغيير نوعي في العملية الديقمراطية، وطيّ صفحة القوائم الحزبية المغلقة التي كانت هي التي تقررمن يكون نائباً في المرحلة اللاحقة من الانتخابات وليس من أدلى بصوته، بينما اليوم سكون الترشيح فردياً، ولن تكون لدينا قوائم حزبية بعد اليوم، بمعنى أن الشعب العراقي سيجرب لأول مرة منذ سقوط نظام صدام، رفع المرشح الى الفوز ودخول قاعة البرلمان دون تدخل مباشر من الاحزاب والقوى السياسية.
وفيما يريد العراقيون الاعراب عن تفاؤلهم إزاء هذا التطور الجديد، تظهر هذه الايام منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي بدوافع حسنة وهي تبين بعض الثغرات الفنية في التعديل الاخير، لعل أبرزها؛ فتح المجال أمام المال السياسي لصعود الوجهاء والمعروفين في المجتمع، لاسيما على الصعيد العشائري، او الحزبي، بوجود فقرة الفوز بأغلبية الاصوات ضمن الدائرة الانتخابية في القضاء مع وجود مائة ألف نسمة واكثر، فتكون الفرصة لمن يملك المال والوجاهة والتأثير على افراد المجتمع، بينما المستقل، وإن كان نزيهاً ومخلصاً، فانه لن يتمكن من حصد أعلى الأصوات للفوز.
لذا كان يرجو اصحاب هذا الانتقاد أن يكون الفوز بنصف الاصوات -50+1- وليس أعلى الاصوات بدعوى وصول الاكثر نزاهة وكفاءة الى البرلمان على يد الناخبين، ولا يخفى على الداعين لهذه الفكرة صعوبة الوصول لهذه النسبة العالية للمرشح، لاسيما في الظروف الحرجة والحساسة التي يعيشها الناس في العراق، مع احتمال ظهور اعداد كبيرة من المرشحين في الانتخابات المرتقبة، والتي ستكون بطعم جديد، ولن تكون مثل سابقاتها، كونها اول انتخابات بعد أكبر حراك جماهيري شهده العراق الحديث.
ولكن؛ علينا قبل ان نصيغ الملاحظات والانتقادات على هذا التعديل في قانون الانتخابات، صياغة الوعي الجماهيري الصاعد، فقد أجمع المتابعون على أن ارتفاع نسبة الوعي يعد أهم وأبرز ثمار التظاهرات الاحتجاجية في مدن الوسط والجنوب، فالذي أجبر رئيس الوزراء على الاستقالة، ثم توجه الى صالة البرلمان وأجبر النواب، وهم يمثلون الاحزاب والتيارات المتخمة بالمال والامتيازات، ويجبرهم على إعادة النظر بنظام الانتخابات القديم سيئ الصيت (سانت ليغو)، لقادرٌ على إيصال النزيه والمخلص الى البرلمان وإن كان من بين المئات من المرشحين.
الخشية هذه المرة ليست من الاحزاب السياسية لانها ستغيب من الواجهة، إنما ممن سيكون في الواجهة وسيكون له الدور الاول في تقرير مصير الانتخابات القادمة، وهو المواطن نفسه، وتحديداً الناخب الذي سيتوجه الى صناديق الاقتراع لانتخاب مرشحه الخاص به، فما الذي يدفعه لاختيار هذا دون ذاك؟
ثمة عوامل عديدة كانت فيما مضى ترسم صوراً ذهنية لمن هو أفضل، كأن يكون حزباً سياسياً قوياً في تنظيماته، وعلاقاته الداخلية والخارجية، او يكون شخصية اجتماعية متنفذة، فتأتي الوعود كبيرة للناخبين، أما اليوم، فان امام الناخبين مرشحين كافراد، فاذا اراد هذا المرشح إطلاق وعدٍ ما، او الحديث عن مشروع او فكرة يريد العمل عليها داخل قبة البرلمان، يجب ان تخضع هذه الوعود او الاحاديث الى مختبرات لفحص المصداقية، والتحقق من توفر امكانية التطبيق، لا أن تكون مجرد شعارات كما السابق.
هذا الوعي الجماهيري لن ينمو ويتبلور من خلال حديث التشاؤم والتشكيك بكل ما يتعلق بالعملية السياسية في العراق، بدعوى تجذر الفساد والمحاصصة الحزبية، والترويج لليأس المطبق، وأن مشاكل العراق غير قابلة للحل مطلقاً!!،وإنما من خلال التأييد والتسديد في آن، و إضاءة الطريق لاختيار الأفضل بكل ثقة واعتداد.
وإذن؛ فالمعركة القادمة، لن تكون معركة انتخابية، ولا سياسية بين المتظاهرين والحكومة في الشوارع، بقدر ما ستكون معركة وعي داخل كل انسان عراقي يريد الانتصار برؤيته ورأيه ويسهم في التغيير الحقيقي، فبمقدار وعيه وثقافته يتمكن من إيصال اكبر عدد ممكن من المرشحين النزيهين والمخلصين والكفوئين الى البرلمان القادم.

عن المؤلف

محمد علي جواد تقي

اترك تعليقا