إضاءات تدبریة

بصائر الوحي وتكريم الانسان

يقرّ العلماء إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي تمّ تصميمه ليكون ناطقاً، فالإنسان مجهز بالبرامج والوسائل والأجهزة الحيوية التي تمكنه من تعلم الكلام بسهولة، ولذلك فإن …

يقرّ العلماء إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي تمّ تصميمه ليكون ناطقاً، فالإنسان مجهز بالبرامج والوسائل والأجهزة الحيوية التي تمكنه من تعلم الكلام بسهولة، ولذلك فإن هذه العملية لا تخضع للتطور المزعوم رغم محاولات أنصار (دارون) لنشر نظرية (النشوء والارتقاء)، ولو كان النطق وتعلم الكلام يتم عن طريق التطور لكانت بعض الحيوانات لديها قدرة على الكلام مثل القردة.
إنها أسئلة كثيرة يطرحها العلماء: لماذا الإنسان فقط يملك هذه القدرة على الكلام؟ الجواب نجده في القرآن الذي يتحدث عن تكريم الله للإنسان، يقول تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}. (الإسراء /70). علماً أن العلماء على مدى عقود من الزمن حاولوا أن يعلّموا الشمبانزي بعض الحروف، ليثبتوا تلك النظرية البائسة لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
إن جهاز الصوت موجود لدى الحيوانات، فالإنسان لديه حنجرة والحيوانات كذلك لديها حنجرة أيضاً، مثل الببغاء، ولكن الإنسان يتعلم النطق بسهولة وبعملية لا إرادية، بينما نجد بقية الحيوانات عاجزة عن القيام بذلك، والحقيقة التي يتغافل عنها علماء الغرب، وجود العقل لدى الانسان، وهو ما تفتقده الحيوانات.
خلال تجربة قام بها البروفسور وليام فايفر، تبين أن الطفل المولود حديثاً ينشط دماغه أثناء سماعه لصوت أمه، فقد قام بتجربة على مولود عمره عدة أيام فقط، وقام بمراقبة دماغه والنشاط الكهربائي الذي يحدث في الدماغ نتيجة تفاعله مع الأصوات، وقام بإسماعه مجموعة أصوات لأناس غرباء فلم يبدِ دماغ الطفل أي استجابة، ولكن بمجرد أن سمع صوت أمه – دون أن يراها- نشط دماغه بصورة ملحوظة وتفاعل معه.
وفي بداية عام 2010 أعلن باحثون ألمان أنّ الجنين يبدأ بتعلم نبرة حديث الوالدين خلال وجوده في رحم الأم، فبعد دارسة شملت أكثر من 60 طفلا حديث الولادة، قامت بها جامعة (ورزبورغ) الألمانية ونشرت في مجلة (علم البيولوجيا المعاصر) تبيّن أن المواليد الجدد يحاولون الارتباط بأمهاتهم عن طريق تقليدهن.
ويشير البحث الجديد إلى أن الأجنة تتأثر بأصوات أول لغة تخترق جدار الرحم، وتقول الباحثة كاثلين فرميكة:” إن ما توصلت الدراسة الجديدة لم تثبت أن الأجنة قادرة على إصدار أصوات بنبرات مختلفة لكنها تفضل أيضاً أن تصدر إيقاعات صوتية مماثلة لإيقاعات اللغة التي سمعتها خلال الحمل”.
من هنا يؤكد علماؤنا على ضرورة أن تداوم الأمهات على تلاوة القرآن بصوت مسموع ومترفع قليلاً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، لما لها من تأثير على الجنين وعلى مستقبله.
ويقول العلماء إن الطفل خلال الخمس سنوات الأولى من عمره يتعلم بحدود 5000 كلمة، فهو يمتلك قدرة فطرية على تنظيم الكلمات العشوائية، فسبحان هذا الخالق العظيم الذي كرّم الإنسان ومنحه هذه القدرات، ولكن للأسف عندما يكبر يستخدمها لمحاربة خالقه والإفساد في الأرض وإنكار وجود الله، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}. (الانفطار /6-8).
لقد أنزل الله سورة عظيمة وهي السورة الوحيدة التي تحمل اسماً من أسماء الله الحسنى، إنها سورة (الرحمن) التي يقول فيها تبارك وتعالى: {الرَّحْمَنُ *عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، هذه الآيات تعلمنا كيف منّ الله على الإنسان بنعمة (البيان) فلم يقل (علمه الكلام)، لأن تعلم الإنسان للغة أو الكلام ليس كافياً إنما يجب عليه ربط الكلمات ببعضها واسترجاعها عند الضرورة.
فالإنسان لديه مركز مهم جداً وبدونه لا يمكنه التعبير، إنه مركز استرجاع الكلمات ويقع في منطقة الناصية في مقدمة الدماغ، ولذلك نجد النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، يؤكد على أهمية هذا المركز بل ويسلمه لله تعالى في دعائه فيقول: “ناصيتي بيدك”، فعندما يتعطل هذا المركز فإن الإنسان لا يفقد القدرة على الكلام بل يتكلم، ولكن لا يستطيع الربط بين الكلمات، وبالتالي يفقد قدرته على البيان والإيضاح والتعبير، ولذلك قال تعالى: {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}، وهنا تحديداً يتبلور دور العقل في خلقة الانسان، ومدى التكريم الإلهي من دون سائر المخلوقات، وهو ما حاول البعض مما يحسبون على العلماء أن يتلفوا حول هذه الحقيقة، ويقربوا الانسان المكرم إسلامياً، الى الحيوان، وعجباً الى إي مدى يكون ضلال الانسان وانحرافه.

عن المؤلف

زكي الناصر

اترك تعليقا