بيئة وصحة عامة

الوباء البكتيري القادم اكثر فتكا

تحتوي المضادات الحيوية مثل الاموكسيسلين والازثرومايسين (كبسول الالتهابات) على تأثير خطير على المستوى القريب و البعيد و هو ما يسمى بـ ممانعة البكتيريا.

فالبكتيريا عبقرية لها قدرة عالية على التأقلم مع الاخطار، فعندما نعطيها جرعة خفيفة غير قاتلة من المضادات الحيوية، تبدأ بتكوين ممانعة ضدها، ويعني ذلك أنها تلقح نفسها ضد المضاد الحيوي، كأجسامنا حين تلقح نفسها ضد الفايروسات، وذلك ـ يعني أيضا ـ أنها سوف تصبح اقوى واكثر فتكا بالانسان مع الوقت، وبالتالي  فإن العلاج المتوفر لدينا سيكون عديم الفائدة في القريب.

 

  • التعاطي الخاطئ مع المضادات الحيوية

للاسف فإن الشائع جدا في مجتمعنا العراقي والكثير من الدول العربية، إذا اصيب احدنا بالزكام او بإلتهابات اللوزتين، فإنه سيتناول فورا ما يسمى عرفا  كبسول التهابات اي الاموكسيسيلين لمدة يوم أو يومين، وفي الواقع تكون هذه الالتهابات او الزكام  بالعادة بسبب فايروس معين وليس بسبب بكتيريا.

الزكام واحتقان اللوزتين بسبب العدوى الفايروسية لا يحتاج الا الى جهاز مناعي يتصدى له ويقضي على العدوى،  وذلك من خلال سوائل دافئة وقليل من العسل كافي لتقوية الجهاز المناعي واسناده في حربه ضد الفايروسات،  وليس للمضادات الحيوية اي تأثير بالواقع على الفايروسات التي تسبب الزكام.

 

الزكام واحتقان اللوزتين بسبب العدوى الفايروسية لا يحتاج الا الى جهاز مناعي يتصدى له ويقضي على العدوى،  وذلك من خلال سوائل دافئة وقليل من العسل كافي لتقوية الجهاز المناعي واسناده في حربه ضد الفايروسات،  وليس للمضادات الحيوية اي تأثير بالواقع على الفايروسات التي تسبب الزكام

 

وعمل المضادات الحيوية يكون على البكتيريا حصرا، ويجب تناولها لفترة محددة حسب نوع العدوى وشدتها ونوع المضاد الحيوي، ولا غنى عن الطبيب المختص في تحديد هذا الامر.

البكتيريا الضارة تكون موجودة في اجسادنا لكن بحالة خاملة، وعند استخدام المضاد الحيوي مثل الاموكسيسلين ليوم او يومين، فإن البكتيريا تقوم ببناء حماية لها ضد هذا المضاد الحيوي، وهي عملية معروفة تسمى ممانعة البكتيريا للمضادات الحيوية.

 

  • احمد والزكام

احمد، شاب يعاني من الزكام بين الحين والآخر، وكان يذهب عن حدوث اي اعراض الى الصيدلية المجاورة لمنزله لاخذ العلاج. صاحب الصيدلية للاسف كان يهتم بربحه المادي اكثر اكثر من صحة احمد، فكان يلبي رغبة احمد بدون تحذيره ويعطيه كبسول “الالتهابات”.

(ليس المقصود هنا الإساءة الزملاء الصيادلة، فبعضهم ـ جزاهم الله خيرـ ينصحون المرضى بتجنب تناول المضاد الحيوي بهذه الطريقة، وللاسف خطأ استخدام المضاد الحيوي قد يقع فيه حتى بعض الاطباء ولاسباب كثيرة لا يسعها هذا المختصر).

ارجع الى احمد، فصديقنا منذ صغره، كان يتناول المضاد الحيوي عند كل احتقان اللوزتين او اصابة بزكام اوعدوى فايروسية، وبالعادة يتناوله ليوم او يومين ويتركه بمجرد الشعور بتحسن.

البكتيريا الخاملة في رئة احمد – على سبيل المثال – استطاعت ان تكون ممانعة ضد اغلب المضادات الحيوية المتوفرة، وبعد عشر سنوات قامت هذه البكتيربا بإحداث انقلاب داخل الجسم، وتتسبب بالتهاب يسمى ( التهاب ذات الرئة البكتيري)، وهذا النوع من العدوى يعتبر فتاكاً وعدم علاجه بشكل صحيح قد يؤدي الى الوفاة – لا سامح الله ـ.

 

للاسف فإن الشائع جدا في مجتمعنا العراقي والكثير من الدول العربية، إذا اصيب احدنا بالزكام او بإلتهابات اللوزتين، فإنه سيتناول فورا ما يسمى عرفا (كبسول التهابات) اي الاموكسيسيلين لمدة يوم أو يومين، وفي الواقع تكون هذه الالتهابات او الزكام  بالعادة بسبب فايروس معين وليس بسبب بكتيريا

 

عند اصابة احمد بذات الرئة تم اخذه الى المستشفى، وفور وصوله وبعد تشخيصه من قبل الطبيب بذات الرئة البكتيرية، تم  البدء باعطائه مضاداً حيوياً لعلاجه، وعلى مدى يومين متتالين يتم حقنه بذات المضاد الحيوي، لعل المضاد الحيوي يقضي على تلك البكتيريا. لكن للأسف، البكتيريا التي سببت العدوى وكما ـ اُسلف ـ شكلت سابقا حاجز صد ضد المضاد الحيوي.

واستمرت البكتيريا  بتدمير الرئة، وفي ارض المعركة، كان المضاد الحيوي كمن لا حول ولا قوة، كمن يواجه المدفع بالسكاكين! ليقرر الطبيب بعد ثلاثة ايام بتجرية نوعٍ ثانٍ من المضادات الحيوية – لعله ينفع-، لكن البكتيريا أيضا لم تتأثر بهذا المضاد، فأحمد كان قد تناوله من قبل وبطريقة خاطئة ايضا عند كل حالة التهاب.

وبعد ثلاثة ايام من تعاطي المضاد من النوع الثاني، و عدم تقديم أي نتيجة، واستمرار البكتيريا بالفتك في جسم احمد، يقرر الطبيب اجراء زرع لهذه البكتيريا – والذي يحتاج ايضا ثلاثة  ايام على الاقل-، لمعرفة أي مضاد حيوي فعال في علاجها.

الصدمة كانت أن كلَّ المضادات الحيوية المتوفرة في الصيدليات لا تنفع، لان البكتيريا ولدت ممانعة ضد كل الانواع بسبب الاستخدام الخاطئ المضاد الحيوي من قبل احمد على مدى السنين.

احمد وذويه القوا المسؤولية على صاحب الصيدلية، وعلى جارهم الذي سبق ونصحه باستخدام كبسول التهابات، وفي الواقع، جميعنا نتحمل المسؤولية، ولن ينفع احمد القاء اللوم على اي احد.

ولعدم توفر علاج نافع بالوقت الحالي، ولأن انتاج مضاد حيوي جديد يحتاج الى سنوات،  توفى احمد بسبب التهاب ذات الرئة البكتيري الذي فتك برئته.

رغم ان القصة هذه من الخيال، لكن هنالك حالات بالوقت الحالي مشابهة، ونتوقع اذا استمر المجتمع بفوضى تناول المضادات الحيوية سوف يخرج الامر عن السيطرة، ونشاهد فقدان العشرات من المرضى.

عن المؤلف

د. عبد الله حسين البغدادي

اترك تعليقا