بصائر

الفرد وتنمية ثقافة المسؤولية الاجتماعية*

المسؤولية محور أساسي في الثقافة الدينية، ومن تصبرها واستوعب دورسها استطاع ان يحلق عاليا في سماء الكمال، حتى يكاد يصل الى الثرياء، لان المسؤولية تجعل الانسان يتكيّف مع الظروف، والحقائق التي جعلها الله في خلقه.

والحديث عن “المسؤولية” ليس لاجل تنمية هذه الثقافة في أنفسنا فقط، وإنما من أجل نشر هذه الثقافة في الأمة التي اضاعت المسؤولية، وبالتالي وقعت في سلسلة لا تنتهي من الأخطاء، والنتائج السلبية في حياتنا.

البشر كائن اجتماعي، وشاء أم أبى فإن المسؤولية جزء من حياته؛ فأنت لا تستطيع ان تقول للآخر وحسب التعبير العراقي الدارج (شعليك).

المسلمون الذين استوعبوا الحقائق كانت لهم مراتب عالية من التقدم، والتعايش السلمي المتين، يقول الله ـ تعالى ـ: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، فإذا حدثت فتنة فإن الجميع يكتوي بنارها ولذا جاء التحذير في الآية الكريمة من الوقوع في الفتنة.

⭐ يجب أن يعيش الانسان واعيا في المجتمع، مفتحا عينه وقلبه ويعرف ما يجري في المجتمع

لذلك ربنا أمر ان تكن في الأمة مجموعة من الناس عملهم وشغلهم الشاغل نشر روح المسؤولية في أوساط الأمة، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ}، ويقول ـ تعالى ـ: {فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ}، يوم القيامة يحشر الناس فرادى ثم يتشكلون في مجاميع، يقول ـ تعالى ـ: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}، جاء في  الحديث القدسي: “لاعذبن كل رعية في الاسلام اطاعت اماما ليس من الله عز وجل ولو كانت الرعية في اعمالها برّة تقية”، من الآية القرآنية نستوحي عدة بصائر، وهي بمثابة أحكام:

البصيرة الأولى: يجب أن يعيش الانسان واعيا في المجتمع، مفتحا عينه وقلبه ويعرف ما يجري في المجتمع، بخلاف هذه البصيرة كانت هناك ثقافة مجتمعية تقول: “أفضل واحد من يذهب بطريقه ولا عليه من أحد! وهذا منطق يخالف الآيات القرآنية، وروايات النبي وأهل البيت، عليهم السلام.

البصيرة الثانية : لابد أن يكون في كل مجتمع نظام اجتماعي للإصلاح، فكما أن للجسم اعضاء تمارس إصلاحات، فالقلب والرئة يتعاونان لجلب الهواء النظيف، واخراج الهواء الملوث، وإذا توقف قلب الإنسان فإن مصيره الى الموت. الكبد يقوم بألف مسؤولية، واكثرها تنظيف الجسم والدفاع عنه، وكذا في بقية الاعضاء.

فكما الجسم يحتاج اصلاحات كذلك المجتمع بحاجة الى اجهزة لتنظيمه؛ أجهزة توعوية، إمام الجماعة، خطيب الجمعة، المجالس والمنابر، ومؤسسات اجتماعية وسياسية..، هذه الاجهزة لابد منها لاصلاح المجتمع.

البصيرة الثالثة: توفير المناخ الملائم حتى يستطيع المجتمع ان يصلح نفسه بنفسه، فالمجتمع الذي يحكمه الدكتاتور لا يستطيع اصلاح نفسه.

وكذلك نحن بحاجة الى محاور اصلاحية؛ عالم دين، شيخ عشيرة، رئيس حزب، ولا يجوز لدولة من الدول ان تخنق الناس وتمنع الحريات، والحريات حينما فُقدت في الامة ماتت الرئة فيها، لان الحرية تمثل رئة الأمة عبر حرية الصحافة، حرية الخطابة وغيرها من الحريات الأخرى.

⭐ لابد أن يكون في كل مجتمع نظام اجتماعي للإصلاح، فكما أن للجسم اعضاء تمارس إصلاحات

هناك مسؤولية أخرى؛ وهي أن يكون الإنسان مسؤولا عن الارض التي يعيش فيها من خلال عدة أمور:

أولا: المحافظة على الأمن، يقول الله ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً}.

ثانيا: المحافظة على المناخ الطبيعي، يقول ـ تعالى ـ: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا}، الارقام التي يعلن عنها عن الفساد في البيئة مرعبة، ثلاثين بالمئة من النباتات والحيوانات في الأرض انقرضت.

الحفاظ على البيئة يكون؛

  1.  بمنع الاسراف، يقول ـ تعالى ـ: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}، هناك جماعات ودول تستفيد من خيرات الارض ويسخرونها لمصالحهم الخاصة.
  2. منع الصياد غير النظامي، فعدد الغزلان في الدول العربية في تناقص بسبب الصيد الجائر.
  3. الحفاظ على الغابات ومنع قطع الاشجار.
  4. الحفاظ على الطعام الزائد وعدم اتلافه.

وكثيرة هي حالات الاسراف في حياتنا اليومية، من الاستهلاك الخاطئ للماء والكهرباء، والاكل الزائد وغيرها..، ولو امتنع الانسان عن الاسراف لعاش المجتمع حياة فاضلة، فما من اسراف ـ مثلا ـ في طعام، إلا ويقابله طمع في قرص. إن الانسان مسؤول عن نفسه أولا، ثم مسؤول عن الارض وعما حوله، ولو اتبع الإنسان بصائر القرآن الكريم لعاش سعيدا في الدنيا والآخرة.


  • مقتبس من محاضرة للمرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا