فکر و تنمیة

السلام الداخلي وتأثيره على حياتنا

الكثير منا يتحدث عن نفسه سواء بصوت عالٍ، أو داخلي، ويطلق الأحكام عليها ؛لا أحبُّ شكل أنفي، لست راضٍ عن وزني، أنا إنسان غير اجتماعي، لا أجيد التصرف!

في عصر السرعة والتسابق مع الزمن والالكترونيات من الممكن أن يُسْلَبَ الكثير منّا السلام الداخلي، فيملؤ حياته الضجيج والتوتر والإرهاق وبالتالي يصبح إنجازه أقل، وتأثيره في نفسه وغيره أيضاً أقل.

ما هو السلام الداخلي؟

هي قوة إدراك الفرد لذاته وهذا الإدراك يمدُّه بالقوة لمواجهة التحديات ويشعره بالاستغناء عن العالم الخارجي، فيكون بحالة اطمئنان وراحة وسكينة، راضٍ عن نفسه ويحثُّها بإيجابية على المزيد مع عدم جلدها وإكثار اللوم لها.

ثمة بعض معيقات السلام الداخلي :

١النظرة السوداوية : أقوى وأشد المعوقات هو التشاؤم، فنظرتنا للحياة وأحداثها وما نمرُّ به في يومنا، لابدَّ أن تكون نظرة تفاؤل، فإذا أخفقنا في أمرٍ معين علينا أن نعلم أنَّ هذا كان بمثابة درس لنا لنتعلم النجاح لا أنْ نعتقد أننا سيؤوا الحظ، أو نحكم على أنفسنا بالفشل، أو أنَّ الحياة تعاكسنا.

ثم إنَّ ابتعادك عن الناس السلبيين يساهم في التخلص من النظرة السوداوية، وعليك الانتباه لحديثك الداخلي فإذا كان إيجابياً ساعدك على التفاؤل، ومن ثمّ الاحساس بالرضا، ومن ثم السلام، أما إذا كان سلبياً أبقاك في مكانك، لا بل من الممكن أن يوصلك إلى أسفل السافلين.

أقوى وأشد المعوقات هو التشاؤم، فنظرتنا للحياة وأحداثها وما نمرُّ به في يومنا، لابدَّ أن تكون نظرة تفاؤل

فأول مَن يحارب السلام الداخلي حوار النفس، فإذا كان لدي مشروع مقدمة عليه، فالحوار الداخلي على نوعين :

الأول: صوت داخلي يقول: “ربما فشلت، ستخسر مالديك من مال، سبق ولم تستطع ذلك، وهكذا..”، فالحوار هنا سلبي.

الثاني: صوت يقول: “جرب، أنا قادر، سأنجح في مشروعي، سابقاً جربت ونجحت.. وهكذا) فالحوار هنا ايجايي

2- التغافل: في الحياة لا يوجد ضمانات كاملة لأي شيء، ولا يمكننا التحكم والسيطرة على كل شيء، كل ما نقوم به ونفعله هو التخطيط والعمل والاجتهاد ثم الإتكال والتسليم، والتغافل عن كل مالانستطيع التحكم به، وبذلك تخفف زحمة الأفكار والغضب والتوتر وتخفف الرغبة بالتحكم

٣- الوقوف على الإخفاقات والأحزان والتركيز عليها: كل منا يمرُّ بمثل هذه المواقف ولكن بما أنها مرت ولن نستطيع تغييرها لماذا نقف عندها ونكررها بإستمرار ونجعلها معيقة لتقدمنا، بل علينا أن نعتبرها دروس نتعلم منها كي لاتكرر معنا مجدداً.

٤اليأس من التغيير :فالبعض اذا سمع محاضرة، أو درساً تنموياً يتحمس ويصبح لديه حبٌّ للتغيير، ولكنه بمجرد أن تمرَّ فترة ويحاول أثناءها التغيير ولايستطيع يصيبه إحباطٌ ويئسٍ من ذلك، فيترك هدفه الذي خطط له وصمم عليه، بينما لابدَّ له من المحاولة مجدداً وعدم اليأس بمجرد الخطأ أو الفشل.

5- جلد الذات :من أكثر معوقات السلام الداخلي موضوع جلد الذات وماله من تبعات وآثار على النفس، وقد فصلنا عنه في مقالات سابقة.

كيف أحقق السلام الداخلي؟

1- إراحة العقل من الأفكار وتحرير النفس من قيود القلق والإجهاد وذلك من خلال: التأمل، التنفس بعمق، معالجة مشاكل الماضي والحاضر، الخروج للطبيعة والاستمتاع بما خلقه الله لنا.

٢- الحفاظ على بساطة الأمور والتعامل مع أمور الحياة ببساطة، وايقان أنَّ الأشياء لا تنجز دفعةً واحدة بل تحتاج لمراحل، فلنتعلّم الصبر وعدم الاستعجال في الوصول لما نريده.

3- أن نعيش اللحظة الحالية، وعدم التفكير بالماضي فلا قدرة لدينا لتغييره وعدم القلق من المستقبل، وذلك لا يعني عدم السعي للأفضل بل معناه الاستمتاع بما لدي وبين يدي، قال أمير المؤمنين، عليه السلام: {اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لاخرتك كأنك تموت غداً}، فالمطلوب هو حالة من التوازن بين السعي لإنجاز مايتعلق بالدنيا وبين مانقدمه لآخرتنا.

4- تجنّب الحكم المسبق على الأمور أو الأشخاص (فلان بخيل، هذا أمر مستحيل، غير ممكن تغيير ذلك..).

5- القيام بالأمور التي تجلب السعادة، فكل منا يعلم بما يجعله سعيداً، كقراءة القرآن، أو الحديث مع صديقٍ عزيز، وممارسة هواية معينة، أو زيارة الأماكن المقدسة وغيرها

6- تقدير واحترام الذات والثقة بالنفس.

٧- التركيز على كل ماهو جميل وايجابي في هذه الحياة،وهذا مايسمى بقانون الجذب، ولنا حديث مفصل عنه بإذن الله، فقد حثَّنا اسلامنا ومذهبنا على ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {تفاءلوا بالخير تجدوه}

8- التركيز على ماتستطيع التحكم به وتقبل كل مالاتستطيع تغييره، فالكثير منا يبذل مجهوداً ويكدِّر حياته باحثاً عن تغيير شخص ما أو حدثٍ ما دون جدوى، والحل هنا هو التقبُّل.

السلام الداخلي وعلاقته بالتوازن النفسي

السلام الداخلي رحلة الانسان إلى أعماق نفسه والتعرف عليها عن قرب بما لديها من احتياجات على جميع الاصعدة ورغبات مكنونة وطاقات وقدرات كامنة يعرفها ويستخدمها بالطريقة الصحيحة الواقعية.

فكلما عرف الانسان نفسه أكثر ابتعد بذلك عن مشاعر الخوف والقلق واستبدلها بمشاعر الطمأنينة والأمان والاستقرار.

كما أن لارتباط الانسان الفقير المحدود بالمطلق الغني اللامحدود  أهمية كبيرة في تكوين مشاعر الهدوء والطمأنينة والسكينة.

يعتمد وصول الإنسان للتوازن النفسي، على قدرته بشأن تقدير ذاته، فمن يُقدّر قدراته ومواهبه وملكاته، فهو بذلك يعمل على تقدير ذاته، ومن ثم توازنه النفسي، ويساعد التوازن النفسي على تخطي المشكلات

قال الإمام السجاد عليه السلام : “إلهي من ذا الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا ومن ذا الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولا فاجعلني ممن اصطفيته لقربك وولايتك وأخلصته لودك ومحبتك وشوقته إلى لقائك ورضيته بقضائك ومنحته بالنظر إلى وجهك” ثم قال: “وهيمت قلبه لارادتك واجتبيته لمشاهدتك واخليت وجهه لك وفرّغت فؤاده لحبك” ثم قال: “اللهمَّ اجعلنا ممن دأبهم الارتياح إليك وقلوبهم معلقة بمحبتك”، وقال عليه السلام أيضاً: “اسئلك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصل إلى قربك”.

ويعتمد وصول الإنسان للتوازن النفسي، على قدرته بشأن تقدير ذاته، فمن يُقدّر قدراته ومواهبه وملكاته، فهو بذلك يعمل على تقدير ذاته، ومن ثم توازنه النفسي، ويساعد التوازن النفسي على تخطي المشكلات، نظراً لأنه يأتي نتيجة مواقف وخبرات متراكمة، ويعتمد على وجود هدف واضح للشخص في الحياة، ومن ثم يتكون التوازن النفسي بتوافقنا مع ذواتنا أولاً ثم مع المجتمع والكون والحياة.

أكبر خدمة تقدِّمها لقلبك هي أن تدخله عالم السلام، السلام هو حالة من التوازن في المشاعر والأفعال وردات الأفعال، السلام هو السعادة، هو الرضا، هو إنهاء الصراع الداخلي، والتقبل تقبُّل بشريتنا ومافيها من نقص مع السعي للتكامل بهدوء وثقة، السلام يوجِد كل ماهو جميل، يوجد التشافي، الحب، البهجة، ثم التكامل.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا