إضاءات تدبریة

الزواج الثاني وشروط بناء الاسرة الناجحة*

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}.

كثرت في المجتمع العربي سابقا الحروب، تقول السيدة الزهراء، عليها السلام: “كان شعارهم الخوف ودثارهم السيف”، فلم يكن هناك أي نوع من الأمن، وكان الموت منتشر بكثرة، سواء بالحروب، أو الامراض، ولذلك كثرت طبقة الايتام.

ونقرأ في بداية الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} وفي نهايتها: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا}، فنستفيد من هاتيتن الكلمتين أن تعدد الزوجات يأتي في ظرف طارئ وحالة استثنائة، ككثرة اليتامى، واستطاعة الرجل حينما يتزوج من الارملة أن يستوعب اليتامى.

اراد الله ـ تعالى ـ للطاقة الجنسية أن تكون وسيلة لبناء الاسرة الفاضلة التي تكون طريقا الى الحياة الهانئة والمستقرة

والظرف الاستثنائي الآخر؛ هو خوف العيلة، فإذا كان الرجل متمكنا قادرا على تقديم الخدمات لأكثر من زوجة فهذا ظرف استثنائي، أما أن يتزوج رجل ويترك الزوجة الاولى، أو يظلم  الثانية فإن هذا لا يجوز.

ولكن هناك وساوس وشبهات طرحت حول تعدد الزيجات في الاسلام، ومتى يكون هذا الزواج، وكيف يكون؟ والسبب في ذلك أن هناك تيار اعلامي وثقافي يغذيه من لا يريد أن تستقر البلاد الاسلامية، هذا التيار يحاول ان يزعزع الاساس الانساني وذلك عبر الدفاع عن حقوق المرأة تارة، ونشر الافلام الاباحية تارة أخرى، أو الادعاء بالمساواة بين الرجل والمرأة.

وهذا التيار يجد ثغرات في المجتمع الاسلامي ينفذ من خلالها لزعزعة الاسرة، ويعرف ـ التيار المذكور ـ أن الاسرة إذا ضعفت فإن الاخلاق تضعف وتنحسر حينها الثقافة الإلهية، وبالتالي يصاب المجتمع بأزمات متتالية.

لماذا دعا الاسلام الى تعدد الزوجات؟

تكون الوفيات والقتلى ـ عادة ـ من الرجال أكثر من النساء في كل العالم، لأن الحروب يتحمل مسؤوليتها الرجال، وكذلك المسائل الامنية، والامور الصعبة والخشنة، وهناك الكثير من الرجال يفقدون حياتهم بسبب المهن الصعبة التي يتحملونها، وبالتالي تبقى مجموعة من النساء دون والٍ أو زوج.

وفي  كثير من المجتمعات نجد أن الولادات ليست متساوية بين الذكر والانثى، فهناك مجتمعات تكون فيه ولادة الذكور قليلة، فمن بين كل سبع بنات يولد ذكر واحد فقط، وأعداد العوانس من غير المتزواجات يتزايد في كثير من البلاد، وجزء من الاسباب؛ هي الحروب وكثرة ولادة البنات، وأن كثير من الرجال لا يتزوجون لسبب أو لآخر، فيحبذون حياة العزوبية دون تحمل المسؤولية، وهذه هي الاسباب التي تدعو الى تعدّد الزوجات.

الطاقة الجنسيّة والتوجيه الصحيح

وإذا كان لابد من تعدد الزوجات، ألا يوجد سبيل آخر لاحتواء المجموعة الكبيرة من النساء، سواء كنّ أرامل أم عوانس؟

نعرف الاجابة من خلال المثل الآتي: النار والماء طاقتين هائلتين، فإذا لم يتم تحدد مسار هاتين الطاقتين، فإن النار تحرق الأخضر واليابس، ويتحول الماء الى سيل فيهدم البلاد، والطاقة الجنسية مثلها كالماء والنار، فهي طاقة هائلة أودعها الله ـ تعالى ـ لأمرين:

 الأول: بقاء النسل: فلو أن الانسان عزف عن الزواج لانقرض نسله، ففي بعض الدول الاوروبية تزايد أعداد الوفيات اكثر من الولادات، ولولا الهجرة الى تلك الدول، وتأمين النقص لأصبحت ذات شيخوخة عالية، فإذا كثرت الوفيات في قبال الولادت فإن المجتمع يتحول الى مجتمع هرم، وغير منتج، بالاضافة الى زيادة اعداد المتقاعدين وصرف المبالغ الكبيرة بسبب الامراض. فورباء كورونا حصد عشرات الالاف في اوروبا، وفي بعض الدول الأوروبية كان أكثر الضحايا من كبار السن. والله ـ تعالى ـ جعل في الانسان الطاقة الجنسية من أجل استمرار التوالد والتكاثر واستمرار الحياة عند البشر.

إن الاسلام أقرّ الغزيزة الجنسية ودعا الى اشباعها ولكن عبر الضوابط والأطر التي طرحها الشرع وحددها

الثاني: اراد الله ـ تعالى ـ للطاقة الجنسية أن تكون وسيلة لبناء الاسرة الفاضلة التي تكون طريقا الى الحياة الهانئة والمستقرة، وحينما تزول هذه الطاقة تنتهي الحياة، وإذا لم تحدد هذه الطاقة في الاتجاه الصحيح فإنها تسبب المشاكل، كالامراض الجنسية، والتوتر والقلق، وحتى وصل الامر الى حالات الانتحار، بالاضافة الى بعض الجرائم التي تحدث بسبب توجيه الشهوة الجنسية في غير مساها.

الانفلات الجنسي ..أوروبا نموذجا

بسبب منع الكنيسة الكاثولكية للزواج من سنة 1960الى 2020، وخلال هذه الفترة حديث أكثر من مئتي ألف اعتداء وتحرش جنسي في اوساط اصحاب الكنيسة، فليجأ بعض القساوسة الى التحرش بالاطفال الصغار، وهذه هي النهاية السلبية التي نجدها في الكثير من البلاد. فمرض الادز والذي يعد احد الاسباب الرئيسية للوفيات في العالم، خصوصا في بعض دول شرق افريقيا مثل اوغندا، وهذا الأمر متأتي من الانفلات والإباحية.

وفي الدول الاوروبية هناك اصرار على تدريس الجنس في المدارس الابتدائية، وهذا يدل على اسقاط الحجب والحياء بين الرجل والمرأة، حتى يتمكنون من نشر الاباحية بين الناس.

إنّ الطرق المتبع في العالم في كيفية التعامل مع الجنس طريق خاطئ وشيطاني، يؤدي الى الازمات النفسية، والى انتشار الجرائم الجنسية؛ كالاغتصاب والتحرش.

ولذا فنحن أمام أحد أمرين؛ فإما أن نقبل بتعدد الزوجات ضمن حدود وفي حالات استثنائية، وإما ان نقبل بالأمر الآخر، وهو التحرش والاغتصاب وانتشار الامراض الخطيرة.

إن مجرد الزاوج ـ الثاني ـ لافراغ الشهوة وليس لبناء الاسرة يعد خطأ، أو أن يتزوج البعض وليس لديه القدرة لبناء الاسرتين، وان لا تكون هناك عدالة بين الزوجتين، هذا وغيره يعد من الاخطاء التي يرتكبها البعض حين يقدمون على الزواج الثاني.

إن الاسلام أقرّ الغزيزة الجنسية ودعا الى اشباعها ولكن عبر الضوابط والأطر التي طرحها الشرع وحددها، ولذا يجب على العوائل المسلمة الحذر من الاثارات الجنسية التي تروّج اليوم عبر وسائل الاعلام المختلفة، سواء في القنوات الفضائية، أو شبكة الانترنت وو وسائل التواصل الاجتماعي.


  • مقتبس من محاضرة للسيد المرجع المدرسي (دام ظله).

عن المؤلف

هيأة التحرير

اترك تعليقا