ثقافة رسالية

الرزق كلمة أوسع مما يظنُّه الناس

صلاتك رزق ، نوافلك رزق ، صبرك رزق ، برّك لوالديك رزق ، صديق حنون رزق ، أحد يسمعك ويشعر بك رزق ، أذكارك رزق.

حقيقةً الأمر لايتعلق بالجانب المادي فقط بل هناك أمورٌ معنوية تُعَدُّ أرزاقاً أيضاً، وهذا مايسمى برزق الصالحين، فالرزق مصطلح عام لكل ماينتفع به من مال وعلم وصحة وربما علاقات، مشاعر

أفضل الأرزاق

أفضل الأرزاق أن يعيش الانسان حالة العبودية والأمان الداخلي، فيكون قلبه مطمئناً بذكر الله عزوجل، قال  ـ تعالى ـ: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

وهذا واقع نراه ونلمسه في حياتنا اليومية، فاللذين يتَّجهون للمخدرات والخمر والزنا والعياذ بالله، متعبون مرهقون ديدنهم البحث عن الراحة وهدوء البال، حياتهم موحشة مليئة بالتعب والاضطراب.

أفضل الأرزاق أن يعيش الانسان حالة العبودية والأمان الداخلي، فيكون قلبه مطمئناً بذكر الله عزوجل، قال  ـ تعالى ـ: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

 على عكس المؤمن المستأنس بذكر الله الذي لاتلهيه الدنيا وما فيها بل هو يعمل بقوله – تعالى ـ: {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}، ومصاديق هذه الآية قليلة فعلياً، فزادهم التقوى يتلذذون بالعبادة والزيارات وصلاة الجماعة والمناجاة، فـ(خيرُ الزاد التقوى)، و اذا غفل هذا المؤمن المتعلق فقط وفقط بالله -تعالى – كانت غفلته كالغواص الذي يفقد الهواء بالضبط يختنق كلما ابتعد وأطال الابتعاد.

هل المال رزق منبوذ؟

هناك موجبات للبحث عن المال أولها:

١- الاستمتاع:  ففي بلاد الغرب لايوجد حرام وحلال، فالبعض يسخدم المال للزواج الغير شرعي، وغيرها من المحرمات من مخدرات وخمر وألعاب محرمة وغيرها.

٢- للوجاهة: هناك من لايسمح لنفسه بالاستمتاع بالمال، بل يحتفظ به ويجمعه بغية الوجاهة والتباهي فيه أمام الغير، ويصل الأمر به للتقتير على عياله ومن يحبُّه للأسف.

٣- الخوف من المستقبل: الخوف من المستقبل بما فيه من فقر و كوارث ومرض وغيرها، فيجمع ماله ليساعده عليها.

٤- دينية: وهذه غاية عالية بقيمتها، فضيلة بأثرها، فالبعض يحبُّ المال لا لذاته، بل ليوصله لما يُحِب ، كالحج والعمرة والسفر للزيارات، ولخدمة المؤمنين والمؤمنات بمالديهم من حاجات.

فالرزق المادي غير منبوذ بل هو مطلوب، ولكن بالقدر الذي نستطيع التحكم به وعدم تحكمه بنا فنملكه ولايملكنا، ونوظفه لنعيش عيشة كريمة تليق بنا و لخدمة أهدافنا الأخروية.

الاعتقاد برازقية الله

إنَّ من يخاف الفقر والكوارث والمرض عليه أن يعلم أنَّ الله جعل المؤمن لايقلق أبداً على مستقبله ، فقال في كتابه العزيز: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}.

روي عن الإمام الصادق، عليه السلام: “من حَسُن برُّه بأهلِ بيتهِ زِيدَ في رزقه”

وقد روي عن أمير المؤمنين، عليه السلام، أنه قال: “كان فيما وعظ لقمان ابنه أنه قال: يا بني، ليعتبر من قصر يقينه، وضعف تعبه في طلب الرز ، أنّ الله تعالى خلقه في ثلاثة أحوالٍ من أمره، وأتاه رزقه، ولم يكن له في واحدةٍ منها كسبٌ ولا حيلةٌ أنّ الله سيرزقه في الحال الرابعة أما أول ذلك: فإنه كان في رحم أمه، يرزقه هناك في قرارٍ مكين، حيث لا برد يؤذيه ولا حرّ ثم أخرجه من ذلك، وأجرى له من لبن أمه ما يربّيه من غير حولٍ به ولا قوة  ثم فُطم من ذلك، فأجرى له من كسب أبويه برأفة ورحمة من تلويهما حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه، ضاق به أمره  فظنّ الظنون بربه، وجحد الحقوق في ماله، وقتّر على نفسه وعياله مخافة الفقر”.

موجبات سعة الرزق :

١-البرُّ بالأهل: فالرجل؛ يُرزق اذا كان باراً بوالديه، ويرزق عندما يدخل السرور على زوجته وأولاده ويوسِّع عليهم، والزوجة تُرزق اذا كانت راعيةً لبيتها، مطيعة لزوجها، حافظة له في السرِّ والعلن، وكذا والابن يرزق عندما يغدق على والديه ولايجعلهم يحتاجون أحداً.

فقد روي عن الإمام الصادق، عليه السلام: “من حَسُن برُّه بأهلِ بيتهِ زِيدَ في رزقه”.

ويقول ـ تعالى ـ في كتابه الكريم : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُون}.

فقد جاء في تفسير الميزان: “فاشتراط الإيمان في إعطائه الأمن من كل ذنب ومعصية، يَفسدُ أثره بعدم الظلم”، وظلم الغير يشمل الزوجة والخادمة، فهذا الإنسان الذي يظلم من تحت يده، لا ينفعه إيمانه.

٢- مواساة الأخِ في اللهِ: إن الإنسان الذي يملكُ ألفَ دينار، عندما يُعطي نصف هذا المبلغ للفقير  فهو في حكم إنسان يملكُ الملايين، ويُعطي نصف ثروتهِ لمؤمن فالنصف هو النصف وكلٌ بحسبه، وهذا مصداق من مصاديق المواساة، فقد روي عن أمير المؤمنين،عليه السلام: “مواساة الأخ في الله عزّ وجلّ، تزيد في الرزق”.

٣- أداء الأمانة:إذا أراد الإنسان أن يكون تاجراً ناجحاً، عليه أن يكون أميناً، فالتاجر الأمين موفقٌ في تجارته.

فقد روي عن الإمام علي، عليه السلام: “إستعمال الأمانة، يزيد فى الرزق”.

بينما البعض يثق بمن هو ليس بمسلم، لأمانته وإتقانه وعدم غشه في العمل، ولا يثق بالمسلم – مع الأسف – لعدم تحليه بهذه الصفة، وهذا أمر مؤسف بل مؤذّ جداً للمعصومين -عليهم السلام ـ يقول الإمام الصادق، عليه السلام: “عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد  وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً”.

٤- الدُعاء للاخوان: عندما يطلب مؤمن من أخيه المؤمن الدعاء له في المشاهد المشرفة، عليه أن يكون أميناً ويفي بوعده له، فلا يجامل فيقول : إن شاء الله… ثمَّ ينساه، بل عند أول وصول له للضريح الشريف، والدموع على خديه، فليدعُ له بقضاء حوائجه أو بما أوصاه تحديداً سواء بالمغفرة، أو الشفاء، أو زيادة الرزق، فقد روي عن الإمام الباقر، عليه السلام: “عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإنه يهيل الرزق”.

٥- الطهارة: أي البقاء على وضوء في كل وقت، وإدامة الطهارة هذه الأيام أمرٌ مُمكن في كل مكان سواء في الطائرة، أو العمل، أو السوق، فقد روي عن رسول الله، صلی الله علیه وعلى آله: “أدم الطهارة، يدم عليك الرزق”.

٦- الصدقة: إن الصدقة من أهم موجبات توسيع الرزق، فقد روي عن رسول الله، صلی الله علیه وعلى آله: “اسْتنزلوا الرزق بالصَدَقةِ”، وكأنَّ الله  ـ عزَ وجل يقول ـ: أنتَ دفعتَ لأخيكَ مالاً أكرمتهُ، أنا أولى منكَ بالإكرام، لذا أوسعُ عليكَ في الرزق، بالإضافة إلى أنَّ الصدقة هي عبارة عن تطهير للنفس، لذا فهي من مواطن استجابة الدعاء.

٧- الاستغفار: عن النبي، صلی الله علیه وعلى آله، أنه قال: “مَن أكثر الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب”.

وعن الإمام الصادق، عليه السلام، أنه قال: “إذا استبطأت الرزق، فأكثر من الاستغفار”، فالله  ـ عز وجل ـ قال في كتابه : “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا”.

موجبات تضييق الرزق:

١- الإسراف: روي عن أبي عبد الله، عليه السلام: “إن السرف يورث الفقر”.

٢- التبذير: إن التبذير والإسراف سبب من أسباب الفقر والهلاك، لذلك فقد نهى الإسلام عنهما، يقول ـ  تعالى ـ في كتابه الكريم: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

٣- عدم الاقتصاد: عن أبي عبد الله، عليه السلام : “ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر”.

٤- عدم البرمجة في الحياة: إن كل شيء في هذه الحياة يحتاج إلى برمجة وإلى مراقبة دقيقة، كما في عالم التجارة، فالتاجر لا يفوّت صغيرة ولا كبيرة، ويحاول أن يناقش في الدرهم والدرهمين لحرصه على المال، فلا مانع من أن نكون حريصين على الدنيا، من باب أنها مزرعة للآخرة، لذا ينبغي للمؤمن أن يعيد برمجة حياته في كل المجالات الدينية والدنيوية.

٥- الصرف زيادة عن الدخل: يجب مراعاة أن يكون الصرف أقل من الدخل، كي يتمكن المؤمن من ادخار بعض المال للحالات الطارئة.

٦- ارتكاب الذنب: ما استجلب رزق الله، بمثل ترك المعاصي، فيكتب للرجل رزقٌ حلالٌ طيبٌ، وإذا عصا ربه، حُرِم ذلك الرزق، ولهذا لابدَّ أن يبقى المؤمن في حالة استغفارٍ دائم.

روي عن الإمام الباقر، عليهِ السلام: “إن العبد ليذنب الذنب ، فيزوى عنه الرزق”.

ونختم بقول أمير البلاغة، عليه السلام: “الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك  فإن لم تأته أتاك فلا تحمل هم سنتك على هم يومك كفاك كل يوم على ما فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن الله تعالى سيؤتيك في كل غد جديد ما قسم لك وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بالهم فيما ليس لك ولن يسبقك إلى رزقك طالب ولن يغلبك عليه غالب ولن يبطئ عنك ما قد قدر لك.

عن المؤلف

المُدربة: عبير ياسر الزين

اترك تعليقا