إضاءات تدبریة

الاستقرار النفسي وأثره على الحياة الزوجية

لا بد وأنك رأيت الاطفال في مجتمعك الذي تعيش فيه، فهم متمايزون وغير متجانسين من الناحية النفسية والعاطفية، ولعلّك في يوم من الايام أردت احتضان طفل ـ صديق لك ـ لتقبيله فنفر منك، وحاول الابتعاد خوفا منك، على النقيض منه ترى طفلا آخر ـ لصديق آخر ـ يُقبل عليك وكأنك أخاه أو احد أفراد اسرته.

هذا التمايز وغيره يعود الى الحالة النفسية والعاطفية التي يعيشها الزوجان في البيت العائلي، فالطفل هو نتاج تلك الاحاسيس، سواء كانت ايجايبة مستقرة، أم سلبية منفّرة.

وبنظرة الى العوائل التي تتمتع بالاستقرار النفسي نراها، تعيش بعيدا عن الامراض الاخلاقية والسلوكية، كشرب الخمر، وتعاطي المخدرات، وارتكاب الجرائم والجنيات، وذلك ـ الاستقرار ـ يعود الى السكن الذي يعيشه الزوجان، بما للسكن من معنى، فليس هو السكن الجسدي وحسب، بل هو أعم من ذلك، ليشمل السكن الروحي والعاطفي.

حسب الاحصائيات فإن أغلب الجرائم التي تُرتكب، هي من الاشخاص غير المتزوجين، أو من المتزوجين غير المستقرين نفسيا وعاطفيا، ولذا يلجأون الى تلك الجرائم للتعويض عن النقص العاطفي والنفسي الذي لم يحضوا به في حياتهم العائلية، أو الزوجية

وحسب الاحصائيات فإن أغلب الجرائم التي تُرتكب، هي من الاشخاص غير المتزوجين، أو من المتزوجين غير المستقرين نفسيا وعاطفيا، ولذا يلجأون الى تلك الجرائم للتعويض عن النقص العاطفي والنفسي الذي لم يحضوا به في حياتهم العائلية، أو الزوجية.

والله ـ سبحانه وتعالى ـ لم يهمل الناس ليعيشوا في خضم المشاكل والصراعات النفسية، بل أرشدهم الى منهج يسيرون عليه، لينعموا بحياة سعيدة وهانئة؛ في سورة الروم جاءت بصيرة قرآنية سماوية لبيان حقيقة الزوجية التي أرادها الله ـ تعالى ـ، والتي من خلالها يكون التكامل النفسي والعاطفي بين الزوجين، وبالتالي تحقيق الهدف الأسمى من الزوجية.

يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

السكن بين الزوجين هو الغاية المبدئية بين الزوجين في بداية الأمر، وسرعان ما يتحول الى مودة، ثم الى رحمة، ولذا “ينطلق التقاء الزوجين من أرض الشهوة الجنسية، و الحاجة إلى إشباع الحاجات المادية المختلفة، ولكنه لا يقف عند هذا الحد، بل يمضي قدما حتى يصبح حبا عميقا، يقوم على أساس الإيثار والعطاء، ويصل إلى حد الفداء والتضحية، وهكذا تكون العلاقة في البداية مَوَدَّةً، ولكنها لا تلبث حتى تصبح وَرَحْمَةً”.( من هدى القرآن؛ المرجع المدرّسي).

  • الطريق الى تحقيق السكينة الزوجية

تضمنت الآية الكريمة مفردتين في غاية الأهمية والدقة، بالاضافة الى اختيارهما في هذا الموضوع بالذات؛ وهما المودة، والرحمة.

  • أولا: المودة

جاءت كلمة المودة في معناها في اللغة العربية من ودَّ؛ تَوَدَّدَ إلَيْهِ: تَحَبَّبَ إلَيْهِ؛ ويقال: تَوَدَّدَ فلانًا: اجتلب وُدَّهُ. وفي معنى آخر: الوَدِيدُ : المُحِبُّ.

تنشئ المودة بين الزوجين كحالة فطرية أودعها الله ـ تعالى ـ في المخلوقات، ومنها الإنسان، فهي الباعث الاول للارتباط بين الزوجين، لكن مع اختلاف الجنسين تخبو هذه المودة شيئا فشيئا، وذلك هو بداية النكد في الحياة الزوجية، ولا يمكن للزوجين الاستمرار تحت سقف واحد، إذا كانت المودة قد نُزعت منهما او من احدهما.

الهديّة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “تهادوا تحابّوا”. فهي تعبير عن محبة الزوج لزوجته او العكس، وللهدية أثر كبير في إدامة المحبة والمودة بين الزوجين

ولديمومة المودة بين الزوجين، يضع ائمة أهل البيت، عليهم السلام، شروطا لذلك:

  1. البشاشة

عن الإمام الصادق عليه السلام: “البشاشة فخّ المودّة”.

وعنه عليه السلام: “البشاشة حبالة المودّة”. فابتسامة الزوج لزوجته، وابتسامتها له، هما مفتاح المودّة، وبالتالي السعادة.

  •  حسن الخلق: عن الإمام علي عليه السلام: “حسن الخلق يورث المحبّة، ويؤكّد المودّة”.

لذا جاء في رواية أخرى: مَن ساء خلقه ملّه أهله”.، فحسن الخلق باب من أبواب المودة داخل البيت وخارجه.

  •  الكرم والسخاء: عن الإمام علي عليه السلام: “السخاء يكسب المحبّة”. وفي قباله البخل، الذي هو أحد المساوئ الأخلاقية التي تسبب جفاف المودة بين الزوجين. وقد جاءت الروايات الكثير بذم البخل مع الأهل.
  •  الهديّة: عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “تهادوا تحابّوا”. فهي تعبير عن محبة الزوج لزوجته او العكس، وللهدية أثر كبير في إدامة المحبة والمودة بين الزوجين.

ثانيا: الرحمة وهي أشمل وأعم من المودة، فكل رحيم ودود، وليس كل ودود رحيم، {وَرَحْمَةً}، وهي الركن الثاني والمهم في الآية المباركة التي تتحدث عن السكن الزوجي ومتطلباته.

لكلا الزوجين نواقص مختلفة، والزواج هو الطريق لتكميلها، وكل زوج يكمّل نقص غيره بتلك الرحمة التي اودعها الله ـ سبحانه وتعالى ـ في قلبه.

والفرق بيم المودة والرحمة، أن “المودة غالبا ما يكون فيها ” تقابل بين الطرفين “، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل، غير أن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحيانا، فأساس بقاء المجتمع هو “المودة” ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الايثار والرحمة.

وبالطبع فإن الآية تبين المودة والرحمة بين الزوجين، ولكن يحتمل أن يكون التعبير ” بينكم ” إشارة إلى جميع الناس.. والزوجان مصداق بارز من مصاديق هذا التعبير، لأنه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلا بهذين الأصلين (المودة والرحمة) بل جميع المجتمع الإنساني قائم على هذين الأصلين وزوالهما من المجتمع – وحتى نقصانهما يؤدي إلى أنواع الارباك والشقاء والاضطراب الاجتماعي”.(تفسير الامثل).

إنّ اطفال اليوم، هم شباب الغد وبالتالي رجال المستقبل، فاستقرار الحياة الزوجية لا يكون أثرها على الزوجين فقط، بل إنه يمتد الى الابناء، وبالتالي الى المجتمع، وما نجده اليوم من حالات سلبية لدى بعض القادة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، إنما هو نتيجة التربية الخاطئة، أو عدم الاستقرار بين الأبوين، مما ورّث حالة نفسية مضطربة لدى الطفل، تتمثل في الشعور بالنقص، او عقدة الحقارة، او غيرها من الاضطربات النفسية، التي يحاول تعويضها مستقبلا بعد أن تسنم موقعا معينا في المجتمع.

إنّ على كل أب وأم إيجاد ـ ولو حالة غير كاملة ـ من الاستقرار بينهما آخذ بنظر الاعتبار ابناءهم، فأي حالة سلبية، أو ايجابية ستنعكس على الابناء بشكل او بآخر، ولذا فالأخذ بتعاليم القرآن الكريم، وكلام النبي، وأهل بيته، صلوات الله عليهم، كفيل بخلق حياة عائلية مستقرة، بعيدة كل البُعد عن الانحرفات السلوكية والاخلاقية.

عن المؤلف

أبو طالب اليماني

اترك تعليقا