تربیة و تعلیم

الاستقلال الإيجابي التربوي المثمر

من الأركان التربوية المهمة في صناعة الإنسان الراسخ و الواثق، هو ركن الاعتماد على النفس في مواجهة شؤون الحياة المختلفة، فهذا النوع من التربية الاستقلالية الناضجة، ينمّي في الفرد نوعا من الاستقرار النفسي، والقوة الشخصية الفاعلية، ويمنحه القدرة على اتخاذ القرارات الجيدة بعيدا عن التردد، وبعيدا عن الاستعجال أيضا، في نوع من الموازنة التامة.

من المعروف أن الإنسان يولد وحيدا صغيرا ضعيفا، لا حول له ولا قوة، ولكنه في نفس الوقت ينشأ في أحضان أبويه وهما الأم والأب، وتبدأ الأم بمنح وليدها الدفء والحنان على المستوى المعنوي، وتعطيه الشعور التام بالأمان، وتغذيه بالطعام المناسب له، ثم تنهض باحتياجاته على الصعيد المادي إضافة إلى الاهتمامات الأخرى، وما أن يبدأ الطفل يعي الأشياء ويسمع الكلمات، ويبدأ يستوعب ما يدور حوله، ويفتح عينيه على حقول الحياة المختلفة، حتى يبدأ ذلك الدور التربوي المهم والكبير للأم والأب وأفراد العائلة والمحيط الاجتماعي القريب من الطفل، حيث يعيش الإنسان رحلته الأولى محاطا بالأمان.

🔺 لابد للمعني بتربية الوليد أن يتنبّه بشكل مهم وكبير لقضية التربية، أو الجانب التربوي الذي يتلقاه الطفل

لذا لابد للمعني بتربية الوليد أن يتنبّه بشكل مهم وكبير لقضية التربية، أو الجانب التربوي الذي يتلقاه الطفل، ومن بين القضايا التربوية والأهداف الكبيرة كيف نربي أطفالنا على ثقافة الاعتماد على النفس، وهي ثقافة في غاية الأهمية كونها تبني إنسانا متكاملا قويا قادرا على الخوض في غمار الحياة بلا تردد أو خوف أو تراجع، وها يعتمد على نجاح الأهل في زرع ثقافة الاعتماد على النفس والثقة بها.

فالحياة كما هو معروف للجميع ليست سهلة، ولن تكون كذلك حتى لو حاول الآباء مساعدة أبناء خصوصا أولئك الأثرياء أو ذوي النفوذ وما شابه، حيث تبرع هذه الفئة من العائلات بصناعة الأشخاص المدلّلين، فهناك شباب أو أشخاص يعتمدون اعتمادا شبه كلي على آبائهم أو ذويهم، ولا يمكنهم اتخاذ أية خطوة عملية بمفردهم، والسبب يعود إلى عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي الذي يحرمهم من التجريب والمحاولات الذاتية، والمسؤولية الأولى تقع على الأب والأم حيث يجب أن يمنح الطفل الفرص الكافية للمحاولة تلو الأخرى.

فإن كان الابن ضعيفا في حياته وعلاقاته وقراراته، فهذا يعني إنه تربّى بصورة خاطئة من قبل الأبوين، ومن المحيط الاجتماعي الأول الذي نشأ وترعرع فيه، فهو لم يحصل على فرصته كما يجب، كأن تكون العائلة قد جردته من كل خياراته، ولم تدعم فيه روح الاستقلال والثقة بالنفس، لذلك نلاحظ في حياتنا العملية شبابا لا يميلون للجرأة في اتخاذ القرار، ويبقون في حالة تردد، ينتظرون من الآخرين أن يرشدوهم على الخطوة التي يقومون بها.

هذا يدل على أن هنالك تقصير تربوي واضح للبيئة الأولى، والمؤسسة الاجتماعية الأصغر وهي الأسرة التي كما يبدو لم تقم بدورها في صنع الشخصية المستقلة لهذا الفرد، ولم تمنحه الاستقلالية الصحيحة، والقدرة على إدارة شؤون حياته، لاسيما بعد أن يدخل في مراحل عمرية متقدمة، لذا من المهم جدا أن تتنبه العائلة، وخصوصا الأب والأم إلى مسألة غرس الاعتماد على النفس عند الأطفال.

يحتاج الطفل إلى التعليم والتدريب والتوضيح دائما، لكن لابد أن تكون هناك فرصة له لكي يقوم ببعض الأمور بنفسه، حتى لو أخفق في المرة الأولى والثانية والثالثة، لكن من المهم أن تتاح له الفرص لكي يتعلم حتى لو أخفق، فقضية غرس الثقة بالنفس عند الأطفال لا تتحقق بين ليلة وضحاها، بل يجب أن تستمر وتصبح ثقافة تربوية دائمة يعتاد عليها الأشخاص في حياتهم وإدارة شؤونهم المختلفة.

🔺 يحتاج الطفل إلى التعليم والتدريب والتوضيح دائما، لكن لابد أن تكون هناك فرصة له لكي يقوم ببعض الأمور بنفسه

وفي حال حصل الأطفال والمراهقون وحتى الشباب، على الفرص الكافية من تجريب اتخاذ القرارات، وغدارة شؤونهم الخاصة، حتى في حالة إخفاقهم لمرة أو مرتين او ثلاث، فإن هذه الثقافة يمكن أن تنمو لديهم، ويمكن في هذه الحالة صناعة شخصية واثقة من نفسها، وتتحلى بالاستقرار النفسي اللازم والمطلوب.

كل هذا لا يمكن أن يتحقق للإنسان، إلا إذا عاش في رحاب أسرة تمنحه التربية الصحيحة نحو الاستقلال، ليس بمعنى الفردية غير المقبولة، ولكن ما نعنيه، هو قدرة الفرد على ان يواجه المصاعب المختلفة في حياته، ويحدث هذه من خلال التربية الصحيحة على الاستقلال الإيجابي المثمر، والثقة بالنفس، والاعتماد الصحي على الذات.

عن المؤلف

حسين علي حسين/ ماجستير إدارة أعمال

اترك تعليقا