مناعة المجتمع وفيروس الاستبداد !
|
محمد التميمي
كشفت دراسة أسبانية بمعهد اتحاد العمال والبيئة والصحة فى مدريد نشرتها مجلة الصحة العامة الإسكندينافية، عن أن عدم إصغاء رئيس العمل "المستبّد" إلى موظفيه قد يسبب لهم بعض الأمراض، مما يزيد بالتالي نفقات علاجهم الطبية. وأوضحت الباحثة كلارا لورينز سيرانو التي أشرفت على الدراسة أن الطريقة غير الملائمة للعمل قد تسبب للموظف أمراض القلب وتؤذي صحته النفسية.وأظهرت نتائج الدراسة التي أجريت على 7621 موظفاً أن النفقات الطبية تتقلص إذا ساد العمل جواً أكثر ديمقراطية يتيح للموظفين تعلم مهارات جديدة ويضمن أمنهم الوظيفي واستمرار تلقيهم لرواتبهم.ونوهت الدراسة إلى ضرورة التنسيق والعمل ضمن فريق واحد، لإن جو العمل الذي تسوده الشراكة يتيح للموظف التأثير في عمله ويشعره بأن ما يقوم به له معنى.
اذا كان عدم مراعاة رئيس العمل "المستبّد" لموظفيه وعدم الاصغاء اليهم ، وفقدان الشعور بروح الشراكة والفريق الواحد، يسبب لهم الأمراض، ويؤذي صحتهم النفسية، بحسب هذه الدراسة، فمابالك اذا كان عدم الاصغاء والمراعاة، و الاستبداد من قبل "الحاكم" و"كبار المسؤولين" على شعب في بلد ما ؟!، واي كارثة صحية ونفسية تحل بذلك الشعب ؟!. وحتى لانذهب بعيدا عن محيطنا، نتساءل: ترى أي أثر نفسي وصحي تركه الدكتاتور صدام، ونظامه القمعي، على الشعب العراقي، طوال ثلاثة عقود من الزمن ؟..
واليوم أيضا، يمكننا أن نسأل ولكن بصيغة اخرى: ترى هل يراعي ويصغي الحكام والمسؤولون والنواب والمحافظون، في بلادنا الى شعبهم ومن انتخبهم ؟؟؟، وهل يوجد هناك بعض ممن هو "مستبد" ياترى، في رأيه او سلوكه وثقافته ؟؟؟. وكم ياترى عدد من لدينا من "النواب" وليس "النوائب" ؟. و"مسؤول" صادق كفوء، وليس "معسول" اللسان يروغ كما يروغ الثعلب ؟..
وهكذا تساؤلات لن تقتصر بالطبع على "الساسة" بل تتعداهم ، لتصل في مجتمعنا الى علاقات ومحيط الاسرة، الاباء والامهات، الازواج فيما بينهم، الاخوة والاخوات، بين الكبير والصغير، بين المعلمين والاساتذة وطلابهم، بين الغني والفقير، والرئيس والمرؤوس في دوائرنا المختلفة، بين رب العمل والعامل، والقائمة تطول..
وبتساؤل عام وشامل، للجميع ، سياسيا، واجتماعيا وتربويا، واقتصاديا : هل يوجد لدينا تنسيق وإحساس ملموس وواقعي بجو وروح الشراكة و الفريق الواحد في العمل والحياة ؟، وهل فعلا يسود جو التعاون والتفهم وروح الديمقراطية "الحقيقي والمثمر" ؟، ليضمن ليس فقط ـ كما تقول الدراسة ـ الأمن الوظيفي للموظفين واستمرار تلقيهم لرواتبهم، بل الاطمئنان والأمن المجتمعي عموما، سياسيا واجتماعيا ومعاشيا ونفسيا واقتصاديا...
أن ثقافة الاستبداد والاستئثار ، ثقافة (أنا الصادح المحكي والآخر الصدى) و ( إذا مت ظمآناً فلا نزل القَطر)، ثقافة التدابر والتعالي، و (الأنا ) .. هي بحد ذاتها ثقافة مريضة دكتاتورية، فما بالك بالنتيجة المرجوة منها، وهي بكل تأكيد ثقافة قاتلة مدمرة ومفككة للمجتمعات والدول، وقد عانينا منها كثيرا، وحصدنا نتائجها المرة التي لانزال نتخبط فيها، وليس أمامنا من سبيل سوى العمل على اقتلاع جذورها من نفوسنا ومن تربة مجتمعنا على كافة المستويات، وعدم السماح بعودتها ونموها وانتشارها.. وهي بالطبع مهمة شاقة ، وتتطلب من الجميع الوعي وتحمل المسؤولية تجاهها.. ولنحذر على "صحة" مجتمعنا من فيروس "الاستبداد.. والله من وراء القصد.
|
|