قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أزمة كهرباء.. أزمة إدارة دولة
محمد علي
عادت حليمةُ الكهرباء الى (عادتها القديمة)خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك ببيع الناس ـ وبكذب ودجل بات ممجوجا ومفضوحا ـ أوهام الوعود من جانب والقاء مسؤولية تدهور هذه الخدمة الاساسية على عاتق الناس من جانب آخر. كلنا يتذكر قبل اشهر عديدة كيف انه وبمجرد انطلاق التظاهرات الشعبية وماشكلته من ضغظ على الحكومة والوزارات المعنية، سارعت الحكومة بوزارتي الكهربا ء والنفط الى التعاون من اجل توفير تحسن طفيف في التيار الكهربائي، لم يدم سوى ايام لاتتجاوز اصابع اليد ثم عادت ساعات القطع المبرمج بالارتفاع مرة اخرى وبدرجة اكبر مما كانت عليه قبل التظاهرات وتداعياتها، فيما بدا وزير الكهرباء وكالة حينها وكأنه لايجد بداً من العودة الى بعض التبريرات التي كان اسلافه يطلقونها منذ عدة سنوات، ومنها (شدة الحرّ) و (التجاوز من قبل المواطن)، ثم اضيف اليه الاسبوع الماضي عذر غير مسبوق هو (البند السابع) من ميثاق مجلس الامن الدولي، وان الشركات العالمية لاتأتي الى العراق بسبب انه لايزال تحت هذا البند، بمعنى انه تحت الاحتلال وتحت وصاية الامم المتحدة، وبمعنى اخر لايزال بلدا غير مستقل وغير ذي سيادة على خلاف مايقول الساسة، وعدم الاستقلال والسيادة هذا هو من يمنع الحكومة من توفير (الكهرباء).. هذا هو بالضبط مضمون التصريح بأن البند السابع هو العثرة في طريق تحسين الكهرباء في العراق. وللمواطن ان يحلل، ويصدق، او يكذب ويضحك ملىء فيه على هذا التبرير..
وقبل ايام ايضا صرح اكثر من مصدر في وزارة الكهرباء وعلى رأسهم الناطق الرسمي بإسم الوزارة، مؤكدا ومصرا وملحا، بأن الاخيرة مستمرة في تزويد المواطن بثمان ساعات كهرباء في اليوم. هذا في حين يعلم المواطن انه وفي معظم المناطق في اكثر محافظات البلاد لايكاد التيار يصل الى خمس ساعات منتظمة، وحتى الساعة اليتيمة التي لاتأتيه الا مقطعة الاوصال وبعد اخضاعها هي الاخرى لبرنامج القطع لتتقلص الى ثلاثة ارباع الساعة، بعد 3 ساعات قطع. ناطق الوزارة لم يدخرا تبيريرا وعذرا وهو بالطبع المواطن اياه لاغيره.. فهو متجاوز وخارج عن القانون الكهربائي ويستحق بالتالي عقوبة الاكتواء بلهيب الصيف. لكن الانجاز المثير للدهشة حقا هو ما اعلن عنه الاسبوع الماضي من اتفاق تم التوصل اليه بين وزارتي الكهرباء والنفط مع لجنة الاقتصاد النيبابية بأن يتم حل مشكلة الكهرباء بشكل نهائي في عام 2013، وان المواطن سيحصل على 24 ساعة كهرباء بالتمام والكمال.. ولن هذا المواطن كالعادة عليه ان يصبر ويتحمل فقط ماتبقى من هذا العام والعام المقبل ايضا لان الكهرباء في 2012 ـ وبحسب اللجنة النيبابية ـ سوف تبقى كما هي اليوم، وستكون في احسن الحالات ثماني ساعات تجهيز.. ها. . يالله مبين العراقيين اجاهم الفرج، وياسبحان الله، ما اعرف شنو هالطفرة وشنو هالسرّ بيها، يعني في 2012 الكهرباء نفسها مالت 2011 ن ولكنها في 2013 تكون 24 ساعة.. فول اوبشن. . ماهو السرّ؟!
شخصيا لم اكن و"لن" اكون ممن يعيد ما اتهمت به الحكومة الحالية وماسبقها من حكومات، وما اتهم به وزراء الخدمات "المفقودة اوالرديئة "، ومنها الكهرباء واخواتها.. من عدم الكفاءة وهدر الاموال والوقت واضاعة الفرص، والكذب والحنث بالوعود التي كانت ولاتزال تطلق بلا حساب، وبلا داعي اصلا !.. فضلا عن التحجج بقلة الاموال تارة، وبإتهام المواطن بالتبذير وعدم الترشيد تارة اخرى، بينما يتساءل هذا المواطن ذاته عن السبب في عدم تطبيق سياسة "الترشيد" هذه، على الحكومة وساساتها ووزرائها وواعضاء البرلمان والساسة ومن يُسمَون بكبار المسؤولين و"ماأكثرهم".؟!. الترشيد لاسيما في استنزاف ميزانية الشعب من خلال رواتبهم وامتيازاتهم ومنافعهم الاجتماعية ! (ولن اقول فسادهم او تغطيتهم للفساد) وكلها لو جمعت لظاهت بل لتفوقت على جميع المداخيل السنوية لنحو 7 ملايين مواطن تحت خط الفقر، بحسب تقارير الحكومة نفسها. .، ولاحاجة لي بإن اذكر هنا ارقاما واحصاءات عن امتيازات ورواتب الرئاسات الثلاث و المسؤولين والنواب والوزراء والاحزاب و... على مدى هذه السنوات، مقابل ارقام الفقر والبؤس والمرض في اوساط الشعب.. فقد بات الصغار قبل الكبار يعرفونها..!. كما انني لم ولن القي اللوم على هذا الوزير او ذاك، وإن كان بالاساس يجب أن يتحمل مسؤولية الكرسي والموقع الذي قبل بشغله.. من اجل اداء التكليف المناط به وتقديم الخدمة للشعب بلا منة ولامكرمة ولا.. وليس من أجل تحصين نفسه ومن اجل الفخفخة ونفخ الجيوب والحسابات..
مع كل ماقيل ويقال، فأن المعضلة الحقيقية، هي أن هناك والى جانب ازمة الفساد الاداري والمالي المتشري، ازمة فساد سياسي قبيح وكبير هو من يغطي ويخمي باقي انواع واشكال الفساد، وهو بالتالي ادى ولايزال الى (ازمة) ادارة دولة، فعقلية الاستحواذ والجشع والفوضى والتهافت على الكراسي بالشكل. . والتهارش في تبادل الاتهامات وعمليات التسقيط والهمز واللمز بين الساسة والوزراء والاحزاب والتيارات السياسية، والارتجالية وغياب التخطيط العلمي في طرح وتنفيذ المشاريع الحكومية والمراقبة الشفافة عليها وعلى الموازنات طوال السنوات الماضية وحتى الآن، كل ذلك ادى ـ وسيؤدي اذا لم تتم معالجته ـ الى نفس النتائج التي وصلنا اليها اليوم، إن لم يكن اكثر سوءا وخزيا، بفعل تراكم هذا الفشل والاخفاق في الادارة والتخطيط والتنفيذ..
ليس صحيحا أن السبب "قلة أموال" وجعل ذلك من ضمن دستة التبريرات الجاهزة.. بل السبب الاساس والاول كما اشرنا هو ازمة ادارة دولة و"رجال" دولة.. ففي الغالب وللاسف الشديد، أن ماهو موجود رجال واحزاب سلطة، وعقلية وادارة إقطاعية لـ(مزرعة) تعمها الفوضى وعدم التنسيق والتضاد في الارادات والمواقف والنوايا.. هذا مايؤكده اغلب الساسة، فمانفع أن يقولوا ويصرحوا بخلاف ذلك على السنتهم التي تلوك الكلام والتبريرات بخلاف ماهو على ارض الواقع.. وبالضبط. . إن ماينطبق على الكهرباء ينطبق على معظم عمل الحكومة والبرلمان واغلب الوزارات، و (تيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي) هكذا سارت الأمور، وستظل (تيتي) البرلمان و الحكومة والوزارات في مكانها تراوح، ليس في أزمة انقطاع الكهرباء، وإنما في رداءة معظم خدمات الدولة. . واذا استمرت عقلية ونفسية الادارة عندنا بهذا الشكل فإن التغيير والاصلاح نحو الافضل سيكون بعيد المنال وربما حتى آخر نقطة من برميل النفط وآخر دينار في بنكنا المركزي او دولار تحت الحصانة الامريكية !.. فالمسألة ليست في حاجة مثلا إلى شطارة لجان تحقيق وتقصي وكثرة اعلانات عن خطط وبرامج. . فالدولة غارقة في محيط من لجان التعمية والتبهيم. . لجان "بلّوشي" على كل شيء وجدت فيها السلطة فيها متنفساً كأفضل وسيلة للهروب من المسؤولية وعدم مواجهة الواقع.. ليست المسألة هي تلك، بقدر ما هي مسألة إدارة الأزمات في الدولة. فإلى متى نترك الأمور على حالها ونظل على أنانيتنا ونترك (الكرعة ترعى) على حساب مستقبل الشعب و الدولة.. هو واقع دولة السلطة والاحزاب والزعامات والمحسوبيات على حساب دولة المؤسسات، وغياب المسؤولية وقراءة المستقبل المقلق.. أزمتنا ليس اسمها فقط انقطاع الكهرباء في كل صيف لاهب أو تفجر محطة ضخ مجار او تصحر وتدمير زراعة و البيئة،او سكن او وقود، او... بل هي أزمة إدارة مؤسسات بل ادارة دولة بكاملها... وغياب كهرباء التفكير والحصافة عند مسؤولي ومديري الدولة..
***
في الختام.. اشارة الى ماأثير منذ أمس الاول حول اقالة وزير الكهرباء وماتم تسريبه من ابرام عقود مع شركات وهمية، وما تبع ذلك من مواقف وتصريحات متباينة بين الساة والكتل، اقول لو صح مانسب من فساد كبير للوزير، فهو يدل على امرين اما انه لايعلم بمعنى انه وعذرا للكلمة (مطفي) بمعنى انه غير كفوء، وهذا يعد مصيبة. او انه مشارك في هذا الفساد وعلى علم به،، وهنا المصيبة اكبر وادهى وامرّ.. لان هكذا فساد في معظم الحالات ان لم اقل جميعها، يتم عن سابق اصرار وترصد، ومن قبل الجميع، جميع من له يد ونفوذ وسلطة ومصلحة في ذلك، الى درجة ان الكثير من قضايا الفساد تقبر ويتم طمطمتها حتى بعد أن يتم الاعلان عنها، وذلك بسبب استخدامها عادة كأوراق ضغط سياسي وتصفية حاسبات، وللتمرير و التغطية المتبادلة بين الساسة والاحزاب والكتل على هذا الفساد، وفق مبدأ (شيلني واشيلك وغطيني واغطيك) والاّ (افضحك) اذا (فضحتني).. وبصراحة فأن الكهرباء حالها حال باقي ممؤسسات الحكومة ووزاراتها العتيدة في الفساد والهدر والكذب على الناس، وليس من الصحيح كسر جرة الفساد الكهربائي وبتأريخه الطويل (اوغيره من ملفات الفساد) كلها برأس هذا الوزير او ذاك لوحده، في ظل ما هو سائد من اجواء التصفيات والمناكفات السياسية بين ائتلافين العراقية والقانون، خاصة، وبين كل الكتل عموما.