المقال الافتتاحي
اللغة الشعرية
|
محمد طاهر محمد
عرّف ابن جني اللغة أنها: (أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم) ويلاحظ من خلال هذه الكلمة القصيرة والعميقة الدلالة الاشارة الواضحة الى أن اللغة هي نظام يتكون من رموز صوتية تؤدي وظيفتها في التعبير عن الأفكار والآراء بإيصالها الى السامع وهي وظيفة اجتماعية في مجتمع بعينه، وقد حصر تعريفه بقوله (كل قوم) للدلالة على قانون أساس من قوانين حياة اللغة، فلا تكون لغة ما لم يحتوها مجتمع يتداولها ويتعامل معها، فاللغة تنشأ في مهد المجتمع وهي وسيلته في التفاهم بين أفراده وهي الواقع الاجتماعي بمعناه الأوفى، وقد عبر الباحثون عن اللغة بأنها (كائن حي ميز الانسان عن الحيوان)، وهي وسيلة لقضاء كل ما يحتاج إليه الانسان لنقل خبراته وتراثه العقلي من جيل الى جيل، وهي في تطور دائم فهي تتطور بتطور الانسان ولكنها لا تفقد وشائجها بجذورها كما لا يفقد وشائجه بجذوره ولا شك أن نقل الأفكار والتفاهم بين أفراد المجتمع البشري والتعبير عن الأغراض التي أشار إليها ابن جني لا يتأتى إلا بالتفكير ولا يتأتى التفكير إلا باللغة.
وقد اربتط الشعر باللغة بوشائج متينة وروابط وثيقة فهو يمثل تاريخ الأمة العريق وعاداتها وتقاليدها. فالصورة الشعرية التي يحشد فيها الشاعر تأثيراته الصوتية وأبعاده الفكرية وعواطفه ليس – في أساسها – سوى صورة لغوية خاصة بمجتمع بعينه فالشاعر عند استعماله السياق اللغوي يخرج الكلمات من معانيها المعجمية (الجامدة) الى سياق تتعدد فيه الصور والمعاني، إذن فللشعر لغة خاصة معبرة عن مجتمعه أوضح ما يميزها بأنها لغة (مبدعة) نابعة عن تاريخ الأمة وتراثها العريق وقد تميزت القصيدة العربية بأنها كانت بناءً لغوياً متكاملاً توافرت فيه العناصر الأساسية للغة وتحقق فيه الوجود الشعري للأمة. ولكننا نجد عند انصاف الشعراء والأدباء بشكل عام الذين عجزوا عن دراسة اللغة واتقانها الدعوة الى رفضها بدعوى الحداثة المصطنعة التي تبناها الأدباء السطحيون والتي أحدثت شرخاً في الأدب العربي من العسير رأبه بعد أن قلبت الموازين وعكست الاتجاهات، إن هؤلاء الشعراء لم يحتملوا تفوق الشاعر الذي تكاملت أدواته الشعرية عليهم فعمدوا الى التشبث بهذه الفوضى وساعدهم عليها بعض النقاد الذين شجعوهم على نبذ أساسيات الشعر العربي والتعكز على الألفاظ والمصطلحات الغربية والجمل المفككة.
إن ايغال هؤلاء الشعراء في دعواهم بأن ما يكتبون هو شعر لن يغير من الحقيقة شيئاً وهي أن الشعر بريء من هذا الهذيان.
|
|