فاطمة.. لكل الفصول
|
*هدى محمد علي
ما أن يطرق سمعنا ذكر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها)، حتى يرقّ قلبنا وتهيج مشاعر الحزن والأسى في نفوسنا، والسبب هو طابع المعاناة والمأساة الذي غلب على حياة هذه الحوراء الإنسية وهي بعد ريعان الشباب، فليس من شبابها ما نجده اليوم عند معظم شاباتنا – المسلمات- من الأناقة في المظهر والحرص على تلبية الطلبات والعناية الدقيقة بالمشاعر والأحاسيس والحذر من مغبة المساس بها من أيٍ كان، فاذا كان الأمر كذلك، لا يجب تعكير صفو الأجواء الهانئة – نسبياً طبعاً- عند الكثير من شاباتنا بذكر مصائب ومحن الزهراء وسائر المعصومين وأبنائهم (عليهم السلام)، لاسيما في بلد مثل العراق...! لكن الحقيقة إن فاطمة كانت فتاة شابّة مثل أية فتاة أخرى مما خلق الله تعالى، لها رغبات ومشاعر وأحاسيس، فهي تفرح وتزهو، كما تحزن على أمور مختلفة، وهي تكره وتحب، وهذا ما علّمنا إياه أئمتنا المعصومون وقبلهم جدهم المصطفى نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله)، ولطالما ذكر المسلمين ويذكرنا دائماً، بأنه واحد منهم وهو (ابن من كانت تأكل القدّ...) كما جاء في حواره مع أحد المسلمين الذي أخذته الرهبة من شخصيته الكريمة والمهيبة، و(القدّ) هو اللحم المجفف واليابس الذي كان يؤكل في عهد الجاهلية. ولكن... تبقى القضية الأساس والمحور؛ هي الارادة على كبح جماح النفس الأمارة بكل سوء وشهوة نحو الجنس أو المال أو الشهرة أو غير ذلك.
من هنا عندما نقتطف من روضة الزهراء (صلوات الله عليها) العامرة والواسعة، فنحن بالحقيقة أمام منهج للسلوك ونظام للحياة الاجتماعية السليمة، وما أحوج نسائنا وفتياتنا وجميع أفراد الأسرة الى هذه الروضة البهيّة وهذه الشخصية العظيمة، واذا تمكنّا – إن شاء الله - من اصطحاب وردة فواحة من تلك الروضة الى بيوتنا وزرعناها داخل الأسرة، فنحن بذلك طبقنا ما يأمرنا به الله تعالى من اتخاذ أوليائه الصالحين قدوة وأسوة في حياتنا، فحياة التقشف والكفاف التي كانت في بيت فاطمة وعلي، ليست من المثاليات والأمور المستحيلة، واهتمام النبي الأكرم بابنته الزهراء منذ ولادتها ومروراً ببلوغها مبلغ النساء وحتى زواجها وتشكيلها تلك الأسرة النموذجية، بل حتى المعاجز التي نقرأها ونسمعها عن هذه الصديقة الطاهرة، كل ذلك لم يكن من باب العاطفة العابرة، إنما هي دروس وعبر لنا جميعاً، فهنالك العلاقة بين البنت وأبيها وأمها وعلاقة الأثنين مع البنت، وعلاقة ربة البيت مع الجيران، والعلاقة المتبادلة بين الأم وابنائها والأهم؛ علاقة المرأة بزوجها وغير ذلك كثير، ولمن يريد مدّ جسور العلاقة الحقيقية مع أهل البيت (عليهم السلام)، أن يحاول أن يقرب حياته، مهما كانت، وفي أي مستوى كان، وفي كل زمان ومكان، الى تلك الأسرة وذلك البيت الذي أذن الله تعالى أن يرفع ويسمو ليضيء للانسانية درب السعادة والعيش الكريم.
وحتى يكون الختام مسكاً، نذكر الحديث الشريف : (شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا).
|
|