الحاكم لا يفرض الأمر الواقع
|
*محمد علي جواد تقي
من الدروس التي نستفيدها من ثورات الشعوب العربية، أن الحقيقة الكاذبة بفرض الحاكم الامر الواقع لاتصمد أمام إرادة الجماهير الغاضبة بالتغيير، واذا كان الحكّام تستروا طيلة العقود الماضية خلف هذه الحقيقة الكاذبة، فان هنالك من وفّر هذا الستار الوهمي لهم، وإلا فان المتابع للاحداث الجارية في ليبيا تحديداً يستغرب حقاً عن كيف تعامل العالم مع شخص مثل (القذافي) خلال السنوات الماضية، وهو يقذف شعبه اليوم بالنار، كما لو ان العالم وزعماءه ومؤسساته الاقتصادية والسياسية يقولون: (القذافي) أمر واقع في ليبيا ولا بديل له للشعب الليبي، رغم مواقفه المضحكة وتصريحاته المثيرة للسخرية والغرابة، طبعاً قالوها لنا من قبل عندما كان صدام يتربع على كرسي الحكم طوال ثلاثين عاماً، حتى ان هذا العالم تحيّر بالطريقة التي يتخلص بها من هذا الطاغية بعد انتفاء الخيار الداخلي كاملاً، فجاءت عملية التغيير مشوبة بالغموض.
لكن هل هذا يعني أن هذا (الأمر الواقع) سلعة فاسدة تأتينا فقط من الغرب او من الشرق؟
بالحقيقة نحن لم نعرف الامر الواقع في أنظمة الحكم إلا عندما ذقنا مرارة الديكتاتورية وتحكيمها منطق القوة، أي ان المسألة نفسية اكثر مما هي سياسية او تعود لنظريات الحكم، فكل من له عوامل القوة بامكانه فرض الامر الواقع. هذه هي القاعدة التي نشهدها تمتد في مجتمعاتنا الاسلامية – مع الاسف- كأن يكون ذا مال أو جاه اجتماعي او منصب حكومي، وهذا الامر الواقع ليس بالضرورة ان يكون من رئيس حكومة او ملك او زعيم أوحد على شعب كامل، إنما قد يصدر من موظف على مراجعين او من تاجر في السوق او من مختار محلّة او حتى من أب في عائلة صغيرة وهكذا القائمة تطول... من هنا نعرف ان تكريس الامر الواقع ليس بالأمر الهيّن على الحاكم الديكتاتوري إلا اذا توفرت لهذا الديكتاتور أو ذاك، سلسلة طويلة من الأمر الواقع السيئ داخل مجتمعه، حتى يصبح من السهل عليه تكوين القاعدة الواسعة التي يحتاجها لأطمئنانه على حكم طويل الأمد، وهذه القاعدة المريحة بدورها تطمئن من هم وراء هذا الحاكم من مؤسسات اقتصادية عالمية كبرى و دوائر مخابراتية وأروقة سياسية على سلامة المصالح في هذا البلد الاسلامي او ذاك، وان كل شيء يسير على ما يرام. فما الضير في الاعتراف بحاكم وصل الى الحكم مروراً بدماء أبيه كما حصل في سلطنة عمان (قابوس بن سعيد)، او بطرد أبيه من الحكم كما حصل في قطر (حمد بن خليفة)، أو بالانقلاب العسكري على نظام ديمقراطي برلماني خالٍ من المشاكل الى حدٍ ما، كما حصل في باكستان (الجنرال مشرف)، أو التفرّج على ديمقراطيات زائفة أو رؤساء جمهورية يتلاعبون بانتخابات الرئاسة كما يلهو الطفل بدولاب مدينة الألعاب صعوداً ونزولاً، ما دامت الشعوب راضية بالأمر ومستأنسة، وكل شعب له ما يشغله حسب ظروفه وطبيعته الاجتماعية؟! لكن هذا لايعني بأي حال من الاحوال أننا نفتقد للأمر الواقع الجيد والبناء، ما علينا إلا ان نعود الى سيرة أمير المؤمنين عليه السلام أيام خلافته وكيف رفض بشكل قاطع إبقاء (معاوية) في منصبه حاكماً على الشام ليلة واحدة...؟ هذا الموقف الحازم والتاريخي الخالد، يعلمنا إن الامر الواقع لايجب ان يتجه نحو تكميم الافواه والاستئثار بالسلطة وعوامل القوة ومصادر حقوق الناس، بل يكون العكس تماماً وهو ان ينصاع من تسوّل له نفسه حب السلطة والمال والقوة، الى الأمر الواقع الذي يعبر عن ضمير الناس ويحفظ كرامتهم وحقوقهم، وهذا ما علّمه النبي الأكرم لنا وللانسانية في حادثة فتح مكة، وما علمه أمير المؤمنين وبقية الأئمة الاطهار. وأي شعب آمن وأيقن بأن لا مستقبل للطغيان والظلم والانحراف، سيجد في نفسه القدرة على التغيير والاصلاح.
ــــــــــــــــــــــــــ
|
|