المقال الافتتاحي
النقد السليم
|
محمد طاهر محمد
مثلما يستحيل معرفة تاريخ بدء الشعر في الحياة وكذلك تحديد تاريخ النصوص الاولى من الشعر وسبب نشأته وكيف بدأ، فانه من المستحيل ايضاً وضع اليد على بداية النقد. ولكن من الممكن القول بأن فن النقد قد نشأ ملازماً لفن الشعر ورافقه منذ بواكيره الأولى اي منذ بدأ الانسان يتذوّق الشعر ويتأثر به . ويمكن القول ان النقد قد ظهر اول مرة في صورة تأثرات عفوية تلقائية نابعة من طبيعة ذاتية هي التأثير في الناس عن طريق ماتحمله اليهم الاعمال الادبية من قيم موضوعية وقيم جمالية نستشف ذلك من خلال ماوصل الينا من التراث القديم حيث نلاحظ ظهور النقد التأثيري مصاحباً لظهور الشعر. ثم اخذ النقد يتطور شيئاً فشيئاً فانتقل من الذاتية الى الموضوعية وبدأ الناس يبحثون عن اصول ومبادئ عامة يفسرون بها التأثيرات التي يتلقونها عن طريق الشعر وكان رائد هذا النقد الموضوعي(شبه العلمي) هو ارسطو الذي وضع للنقد أصولاً محددة في كتابيه (الخطابة) و (الشعر) وقد سيطر ارسطو بمؤلفاته الفلسفية والعلمية على هذا الفن حتى اواخر القرن السابع عشر الميلادي حيث تحرر هذا الفن بعد ذلك بخلق مذاهب ادبية وفنية جديدة لها اصولها ومبادئها الخاصة وبظهور هذه المذاهب اخذت مناهج النقد وأصوله ووظائفه تتغير وتتنوع بحيث اصبحت تراثاً ضخماَ لايمكن الاحاطة بتفصيلاته العديدة وتطورها .
من خلال ما تقدم يتضح ان كل عمل ادبي يتصل بأصول ومبادئ موضوعية خاصة لايستطيع اي ناقد ان يعطينا سلامة تأثيراتنا وصدقها وشرعيتها الا اذا كان ملماًَ باصول ومبادئ المدرسة التي أنتجت هذا العمل الادبي وتقديم انطباعاته حول هذا العمل، وبتغيير ابسط فنحن لا نستطيع مثلا ان ندرك قيمة اوجمال صورة او لوحة فنية تنتمي الى المدرسة الواقعية بقراءة وصفها عن طريق مدرسة اخرى.
فالناقد لايمكن ان يلغي تأثراتنا وانطباعاتنا التي يخلفها علينا العمل الادبي لكي يشوهها باضافة عناصر (غريبة) او تزويق ذلك العمل باصطلاحات بعيدة كل البعد عن هذا العمل يمليها عليه الذوق الفردي الذي يفتح الباب امام التحكم والاهواء والتضارب الى الحد الذي قد يجعل من الابيض اسود اومن القبيح جميلاً او بالعكس.
|
|