تحت الضوء
شعبٌ محكوم عليه بالتمرّد
|
محمد علي جواد تقي
سألني أحد السياسيين عن ردود فعل الناس في إحدى مدن البلاد إزاء أزمة الكهرباء خلال شهر الصيف القائظ والمتزامن مع أيام شهر رمضان المبارك، وأيضاً إزاء التسويف والتأخير المستمر في تشكيل الحكومة، فقلت: خرجت تظاهرة جماهيرية تستنكر هذا السلوك اللامسؤول والتهاون في تحمل المسؤولية القانونية والاخلاقية، فسارع في التعليق بانها لم تكن بالمستوى المطلوب! موضحاً: من المفترض ان تزعزع تلك التظاهرة الكراسي التي يجلس عليها المسؤولون وتهدد حياتهم السياسية ومصالحهم الشخصية، لا أن تكون مجرد صوت أو كقنبلة صوتية يتبعثر صوتها وينتهي كل شيء.
يبدو ان الأخ المسؤول أنهى حديثه والقى حجته وعاد الى متكئه ليستعيد أنفاسه، لكن باغته بالسؤال: ولماذا لا يتخذ المسؤول نفسه الاجراء الحكيم والاحترازي حتى لا يتعرض كرسيه للاهتزاز، ويقوم بدوره وعمله ليكسب احترام الناس ويحافظ على كرامته، فهل وصل حال المسؤول الى هذه الدرجة؟!
لوّح بيديه إن هذه الأمور باتت من المثاليات، إنها السلطة والجاه والمصالح الشخصية، ومعظم المسؤولين – إن لم نقل جميعهم- محكومون بهذه المعادلة الميكافيلية.
أتذكر – ويتذكر معي المسؤول المذكور- أننا كنا نتجنب بشدة دعوة ابناء الشعب العراقي إبان عهد النظام البائد، بالانتفاض والتمرد عليه لتكون الشرارة التي تفجّر الاوضاع بوجه الطاغية صدام، والسبب في ذلك إن الفرد العراقي كان يعيش في ظروف تسمح له فقط بتوفير لقمة الخبز لأسرته وقليل من الأمان لبيته وأفراد أسرته متناسياً الكثير من الامتيازات والحقوق مثل الحرية والعيش الكريم. واليوم يتصور البعض ان الشعب العراقي بلغ درجة من الوضع السياسي والاجتماعي يؤهله لأن يمارس دوره (الثوري) إن اراد تغيير أوضاعه المعيشية نحو الافضل، فيتكلم ويصرخ ويدمّر لينتزع حقه من المسؤول أو الحاكم، وفي غير هذه الحالة فان المسؤول (غير مسؤول) عما يجري بين جنبات هذا الشعب، بحجة أنه مرتاح و أوضاعه جيدة على العموم، وقد صدر من عدة مسؤولين كلمات تؤكد هذه الفكرة، وهي ان الكثير من الناس قد زاد دخلهم اليومي وبدأوا ببناء البيوت واقتناء السيارات الفارهة و...! حتى مشكلة الكهرباء فان الكثير يُحلّونها بالمولدات الاهلية والخاصة، فهل من مشكلة؟!
نعم... المشكلة في فهم المشكلة، فالعراق والعراقيون ليسوا فقراء بالمرة، والبلد يُعد من أغنى بلدان العالم، وأكثرها حظوظاً في التطور والتقدم لوجود العوامل الأساس مثل المياه والتربة الخصبة واليد العاملة والأهم من كل ذلك العقول المبدعة، وليس بحاجة لمن يعطيه ويتفضّل عليه، وليس من قدر هذا الشعب أن يخرج كل يوم الى الشارع ويتظاهر ويصطدم مع الشرطة ويعرض مصالحه ومصالح البلد للخطر، فيوم من أجل الكهرباء ويوم آخر من أجل فرص العمل، وآخر للأوضاع السياسية أو الأمنية أو... فهل يريدون أن يعلّموا الناس (الديمقراطية) بلغة جديدة؟ بدلاً من أن يحكم الناس، عليهم أن يحاكموا المسؤولين ويطاردونهم في دوامة مفرغة لا تؤدي إلا الى استنزاف قدرات هذا الشعب المادية وإنهاكه نفسياً ومعنويا، إن ما يستحقه هذا الشعب هو البناء الثقافي أولاً، والتطوير الاقتصادي في كافة الميادين والمجالات، وفي مرحلة لاحقة التطوير السياسي، فيكون العراق آنئذ من البلدان التي يمكن لنا أن نباهي به العالم، وهذا مسؤولية (المسؤول) بالدرجة الأولى بدليل إنه لا يعيش مرحلة المعارضة والديكتاتورية، إنما في واحة الديمقراطية والتعددية و وفرة الأموال والامكانات، وفي هذه الحالة فان الشعب سيتعرف على دوره ومسؤوليته في المراقبة والمحاسبة وأيضاً في تدعيم أركان النظام القائم والحفاظ على وجوده، لا أن يفكر بالانتقام منه ومن المسؤول الذي ينعم ويرفل في ظله.
|
|