الشعر بين الايديولوجيا والفن
|
محمد طاهر محمد
المتبع للحركة الأدبية خلال القرن المنصرم يدرك أن فكرة الالتزام في الشعر قد طغت على الشعراء والادباء، فقد انهمك الشاعر في قضايا عصره ومشكلاته، فكان عليه أن يعبر عن موقفه من هذه القضايا وتجسيمه لها واستشرافه للمستقبل الذي ينتظرها. وكان من الطبيعي أن موقف الشاعر الذي يعبر عنه نابع عن عقيدته، فقد وظفها الشاعر في قصيدته لخلق حالة من الارتباط بين العقيدة والعصر وكذلك لخلق حالة من الانسجام بين القصيدة والمتلقي بغض النظر عن الاطار الفني الذي عبر الشاعر فيه عن هذا الموقف فكان نتيجة ذلك كمّاً كبيراً من القصائد التي تفتقر الى نفحة الفن وطاقته التأثيرية فكان هذا الشعر شعراً آنياً انتهى بنهاية المرحلة التي كتب بها ولم يمتلك أبعاداً فكرية أو فلسفية تعطيه مدى ابعد من مرحلته كما لم يستطع النقد الذي روّج له بعض الوقت أن ينتشله أو يفرض له وجوداً.
إن القصيدة بوصفها عملاً فنياً من حيث تكامل عناصرها الفنية تحقق نجاحها من خلال التداخل بين عنصري الفن والمضمون وليس هناك قيمة حقيقية لعمل فني لا تتمثل فيه علاقة التأثير المتبادل بين هذين العنصرين، ومن ثم يكشف النقد السليم عن خطأ في تمثل طبيعة العمل الفني اذا اقيم الشعر على اساس ايديولوجي صرف كما يكشف عن خطأ أيضاً اذا أقيم الشعر على عنصر جمالي صرف، فالموقف الايديولوجي وحده لا يصنع العمل الفني وكذلك يفقد العمل الفني وزنه حينما يخلو من موقف. إن بين هذين العنصرين تداخلاً فهما في الوقت الذي يصنعان فيه بنية فنية موحدة إذا بأحدها ينعكس على الآخر فيتأثر به. ولا شك أن ثقافة الشاعر ومعرفته ضرورية في رسم خطوط هذا التداخل بين العنصرين فمن شأنها أن تساعد على بلورة الموقف والفن في القصيدة.
|
|