(آيات) تعلو على السياسة
|
*محمد علي جواد تقي
نبحث عن أدوات النصر وتحقيق المكاسب ونتجنب عوامل الهزيمة والخسارة في ميادين الثقافة والفكر والاقتصاد والسياسة والامن... كلٌ يدور حول نفسه في هذا المسعى ضمن مساحة ربما لاتتجاوز ظله وفي أقوى الافتراضات الجماعة الخاصة المحيطة به. لذا نحن نسمع (مجتمع اسلامي) او (جماعة اسلامية) أو (أمة اسلامية)، لكن عندما يجدّ الجد وتحتدم المواجهة نجد (مجتمعات) و (جماعات) وحتى (أمم...)! فلا فرحة وبهجة بنصر ولا مواساة على هزيمة أو شدّة.
عندما اصطفت الجماهير البحرينية الى جانب نظيراتها في البلاد العربية وخاضت مواجهة مفتوحة مع النظام القائم بغض النظر عن الاسباب والدوافع، كان العالم الشيعي بشكل خاص والاسلامي بشكل عام متعاطفاً الى حدٍ ما، لكن الموقف لم يتجاوز (العواطف) الى تبادل الشعور العميق وتحمل المسؤولية، فمشاهد القمع والتنكيل التي تعرض لها ابناء الشعب البحريني على يد سلطات الامن خلال الفترة الماضية تثير المشاعر حقاً، لكن المهم العبرة أليس كذلك...؟ وإلا فان الآنسان الساكن في احدى القارات البعيدة ربما قد شاركنا الشعور بالأسى على الدماء التي سالت في شوارع البحرين. لكن اين وقع الموقف البطولي لأم الشهيد التي تصرخ بوجه (الملك)؟ واين انعكاس الصمود والتحدي الشبابي والسلمي في الشوارع امام الرصاص الحيّ؟ ثم اين صدى الموقف البطولي لآيات القرمزي وهي تمزق حجب الخوف بخطواتها الثابتة والجريئة نحو مراكز القمع (أمن السلطة) عندما صدر بلاغ يقضي بالقاء القبض عليها؟
في لبنان هنالك مواجهة محتدمة يقف على أحد طرفيها أناس يقاتلون من اجل العقيدة والمبدأ، لكن في احدى مفاصل الصراع نرى ان ثلاثة من هؤلاء يتراجعون ليس في مواجهة عسكرية غير متكافئة او في مواجهة سياسية صعبة ومعقدة، إنما امام قرار (محكمة دولية...)! نحن لا تعنينا التفاصيل في هذا الحيّز المحدود بقدر ما يهمنا الحد الفاصل بين الحق والباطل متمثلاً بالموقف الحازم؛ فان كان الموقف مع الحق فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فنحن يفترض اننا نحفظ عن ظهر القلب ما صدح به عليٌ الاكبر نجل الامام الحسين عليه السلام في واقعة الطف، حيث سأل أباه للاطمئنان القلبي: (أو لسنا على الحق...؟ قال بلى؛ قال: إذن، لانبالي إن وقع الموت علينا او وقعنا عليه). فالمحكمة تبحث عن شخص – ضحية لادانته بالمشاركة في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، فان كان قرار المحكمة باستدعاء الثلاثة باطلاً، فمن شأنهم الوقوف بكل قوة وبسالة امام الرأي العام العالمي والدفاع عن انفسهم وإظهار الحق وأهله وايضاً اظهار الباطل واهله، حتى وان كلف ذلك حياتهم، وبهذه النهاية يكونون قد جددوا مسيرة التضحية والفداء من اجل الحق والحقيقة والمبادئ والتي أطلقها بدايةّ الامام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء.
هنا سؤال يثور أمامنا... ما الذي كانت تبحث عنه آيات القرمزي وهي الفتاة ذات العشرين ربيعاً كأنها الزهرة المتفتحة، في مسيرها نحو مركز يعجّ بالذئاب البشرية وعديمي الضمير والاخلاق والقيم...؟ علماً انها خطت تلك الخطوات وحيدة من المساندة العائلية او العشائرية او الحزبية او الاقليمية او الدولية....! بالمقابل لنا ان نعرف عن الذي كان يبحث عنه الرجال المتهمون من قبل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري وهم يختفون عن الآنظار؟ ثم للقارئ ان يقارن بين حجم الدعم والمساندة بين الحالتين.
بالحقيقة أي صراع نخوض؟ وفي أي طريق نسير؟
عندما تعرض المسلمون في بقاع العالم للهجمة المسعورة ثقافياً وفكرياً ثم مادياً بفضل فتنة (11 أيلول)، لم نسمع بموقف امريكي او ايطالي او استرالي او غيره خلال رفع الشعار سيئ الصيت (الرعب الاسلامي)، انما نسمع بالموقف (الغربي)، وان الاسلام يهدد (الغرب)، وعليه من حق (الغرب) بدوله وقدراته غزو البلاد الاسلامية برمتها في حرب معدة سلفاً ومحسومة النتائج الى حد كبير. إذن؛ في حرب العقيدة والافكار التي يخوضها الغرب معنا، من الحريّ بنا ان نواجه الطغيان والظلم بمعنويات (آيات)، وان نواجه تحدي العدوان الصهيوني على اخواننا في لبنان ببطولة المقاومة وتجاربهم الغنية على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والاعلامية.
ان الاسلام هو الذي يُعلى ولا يُعلى عليه وليس شيئاً آخر.
|
|